أسدلت الدائرة الأولى إرهاب بمحكمة جنايات القاهرة المنعقدة بأكاديمية الشرطة، الستار في إعادة محاكمة 12 متهمًا بأحداث العنف وإضرام النيران والشغب التي وقعت بمحيط مجالس الوزراء والشعب والشورى، والمجمع العلمي، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"أحداث مجلس الوزراء".
واستهل المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس الدائرة الأولى إرهاب، كلمته بآيات من الذكر الحكيم بسم الله الرحمن الرحيم "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ".
وقال رئيس محكمة الجنايات، إن الوطن هو الهوية، هو المرجع والاستقرار، هو الأساس الذى يحيا لأجله المواطن، فالوطن أغلى شيء يمتلكه الإنسان، لأنه الكيان الذى يحتويه، والوطن ملك للشرفاء، الذين يخلصون لوطنهم ويحبونه ويضحون من أجله، والانتماء الحقيقي للوطن يعنى الارتباط بأرض وشعب، فهو شعور يخرج منه عدد من القيم التي تدفع للحفاظ على ممتلكاته ومرافقه العامة التى يملكها المجتمع، وهي جزء من مفهوم الصالح العام الذي هو بالأساس قيمة اجتماعية ينشأ عليها الفرد.
وأضاف المستشار محمد شيرين فهمي، أن المواطنة الصالحة تفاعل إيجابي خلاق هى بناء وتنمية أخلاق ومصداقية لا تلون فيها ولا خضوع ولا خداع، ومن أبشع مظاهر التنكر لفضل الوطن ومن أسوأ علامات الكفر بالنعم أن تأتي الإساءة للوطن على أيدي من ينتمون إليه اسما، ويتجردون من مسئولية هذا الانتماء فعلا وممارسة وسلوكا.
فلقد ابتليت هذه الأمة بشرذمة من السفهاء والمرتزقة، تنكروا لهويتهم ووطنيتهم، ضاعوا في متاهات الحياة، انحرفوا عن جادة الصواب، وتجاوزوا حدود إنكار فضل الوطن إلى العمل ضده، والسعي إلى خرابه وإحراقه، تراهم يتشدقون بعبارات براقة خداعة ويرفعون رايات العزة فتحسبهم للوطن حماه، وهم للوطن ألد الخصام، فالمواطنة الصالحة ليست شعارات براقة، تخاطب العواطف وتدغدغ المشاعر أو خطبا حماسية وتحركات استعراضية دعائية.
إن الممتلكات والمرافق العامة هي ملك للمجتمع والانتماء للوطن كشعور يخرج عنه عدد من القيم التى تفد للحفاظ على هذه الممتلكات والمرافق العامة وعندما يغيب هذا الشعور يبدأ السلوك السلبي بتخريب تلك المرافق، والذى يمكن ربطه بضعف المواطنة الناتج عن الشعور بعدم الارتباط بالدولة وعدم رعاية أو حماية ممتلكاتها، فإن الأعمال التخريبية التى يقوم بها مواطنون ضد أوطانهم وضد مصالحه، وضد ثرواته هى خيانة لهذه الأوطان سببها نقص فى الوازع الوطني.
لا تقولوا نحن حقوقيون بل أنتم منتفعون قابضون، لا تقولوا إنكم ناشطون وللحق ثائرون بل أنتم قوم منكرون ولأهلكم خائنون، يجب أن تكون محبة الوطن بالأقوال تعكسها التصرفات وترادفها الافعال، فلا يمكن أن أقتنع بمن يقول انه يحب وطنه ثم يسيء اليه ويخرب ممتلكاته ويعتدى على حماته، حينما أرى من يحرص على الحفاظ على المال العام، كحرصه على ماله الخاص أو أكثر، هنا أقول إن هذه هى المواطنة الصادقة التى يصدق فيها الفعل القول، لكن حينما أرى من يعتدى على ممتلكات ومرافق الدولة فمن حقي الشك فى مواطنته.
وما أصدق قول ابن الرومي "ولى وطن آليت ألا أبيعه، وألا أرى غيري له الدهر مالكا، قد ألقته النفس حتى كأنه لها جسد إن بان غودر هالكا"، ففى خضم الأحداث غير المستقرة التى أعقبت الخامس والعشرين من يناير 2011 من فوضى وعنف وأعمال شغب ووقفات احتجاجية واعتصامات بالميادين، كان من أبرزها التظاهر المستدام أمام مجلسي الشعب والوزراء لإبداء المطالب الفئوية.
ففى يوم 25 نوفمبر 2011، نظم البعض تظاهرة أسموها "جمعة إنقاذ الثورة"، وتجمع المئات منهم أمام مجلس الشعب بهدف الاعتصام ومنع رئيس مجلس الوزراء وأعضاء وزارته آنذاك من دخول المجلس ونصبوا لاعتصامهم خياما أقاموها بشارع مجلس الشعب وأحكموا مداخله بأبواب حتى وزارة الصحة، لتفتيش كل من يمر بالطريق، وتمكنوا بذلك من منع جميع الموظفين من دخول المجلس، ولم تمض فترة الاعتصام على خير حال، بل قام بعض من المعتصمين بإهانة الضباط وصب جنود الخدمة الملكفين بحماية المنشآـ الحكومية بألفاظ نابية وقذفهم بأكياس القمامة وزجاجات مملوءة بالبول، والتلويح بالإشارات والإيحاءات الجنسية.
ولم يكن هذا الاستفزاز محض صدفة، أو تصرف فردي غير مسئول، بل كان الأمر متعمدا لإثارة الجنود واستدراجهم للتعدى على المعتصمين، وصولا لتصوير مشاهد تسجل هذا الاعتداء للتنديد به، وقد صاحب هذا أعمال تخريب وإتلاف وإشعال الحرائق بالمنشـ الحكومية، وقد تجلى بوضوع باستعراض اثار الدمار الذى خلفته احداث التجمهرات التى تعاقبت فى النصف الاخير من شهر ديسمبر 2011، والتى كشفت عن منهجية التخريب والاتلاف واشعال الحرائق بالمنشآت الحكومية الهامة مثل مجلسى الشعب والوزراء، والهيئة العامة للطرق والكبارى والنقل البرى، والهيئة العامة للموانىء البرية، وحي بولاق أبو العلا، وحي غرب القاهرة بشارع القصر العيني، ومحاولة إقتحام وزارة الداخلية، حتى المجمع العلمي الذي لا يعلم مكانه الا القليل ذلك المبنى الذى وقف شامخا شاهدا على عصور مضت، من خلال مقتنيات تضرب يجذورها حتى القرن السادس عشر الميلادي، لم يسلم من أن يلقى حتفه على أيدي أناس جهلوا قيمة ما يحرقون، بل جهلوا في الأصل ما يحرقون، وقفوا يحتفلون فرحا بنصرهم فى الوقت الذ كانت فيه قلوب تعتصر من هول ما يرون، وقفوا يتراقصون على أصوات لهيب النار، وهى تأكل أوراقا ووثائق قلما يجود بها الزمان، وربما بزوالها تنمحي حقبة من التاريخ.
فظلما أن يقال أن أبناء مصر الأحرار هكذا يرون النضال، بل الأمر لا يخلو من أياد سوداء تحالفت مع الشيطان، من أجل إسقاط الدولة وإجراق منشآتها، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة.
وفى الساعة الثانية من صباح يوم الجمعة 16 ديسمبر 2011، بدأت أحداث التجمهر الغير مشروع بنحو مائتي شخص، ثم تزايدت أعداده لعدة آلاف ممن انصاعوا لنوازع الشر فى نفوسهم، وحمل بعضهم أسلحة بيضاء وزجاجات المولوتوف المشتعلة وكرات اللهب والحجارة، وأدوان مما تستخدم فى الاعتداء على الأشخاص والممتلكات على نحو جعل السلم العام فى خطر، بغرض حرق وتخريب الممتلكات العامة ونشر الفوضى ومنع الموظفين العموميين من ممارسة أعمالهم وذلك باستعمال القوة والعنف.
وكان من بينهم المتهمين الماثلين، الذين التقت إرداتهم وتوحدت على وجوب التجمهر أمام مجلسى الشعب والوزراء بغرض ارتكاب جرائم الاعتداء على رجال السلطة العامة، وتعمد تعطيل سير وسائل النقل العامة البرية وحركة المرور، والقوا احجارا ومولوتوف وكرات لهب على مبان "المجمع العلمي المصري، ومجلس الوزراء، ومجلسي الشعب والشورى، وهيئة الطرق والكبارى والجهات الحكومية الملحقة به.
والمحكمة تنوه بأنه وإن كان إعمال صحيح القانون يقتضى مساءلة المتهمين عن جميع الجرائم التى وقعت أنثاء التجمهر، إلا أنها تقف عاجزة أمام إحالة المتهمين ببعض الجرائم دون بعضها الآخر تقيدا بالمباديء القانونية التى تجعل حدود الدعوى أمام المحكمة التى تحال اليها هى ذات حدودها أمام المحكمة التى أصدرت الحكم المعاد نظره لعدم شمول أمر الإحالة لها.
إن المحكمة قامت بدورها فى البحث عن الحقيقة، فقامت بنظر الدعوى فى جلسات متعاقبة دون التقيد بأدوار الانعقاد واستمعت إلى هيئة الدفاع، وأتاحت لهم كل الفرص الممكنة لتقديم دفاعهم شفاهة وكتابة، ليطمئن وجدانها من أنها أعطت كل ذي حق حقه، وبعد جلسات حققت المحكمة خلالها كل قواعد المحاكمة العادلة المنصفة وتحققت فيها كافة ضمانات الحقوق والحريات في إطار الشرعية الإجرائية، التى تعتمد على أن الأصل فى المتهم البراءة، ودون إخلال أو التفات عن حق لأحد، وعكفت على دراسة جميع أوراق الدعوى دون كلل أو ملل وصولا للحقيقة.
ولقد استقر فى يقين المحكمة عن جزم ويقين لا يخالجه شك أو عوار، يقينا ثابتا وقويا، أن الواقعة في نطاق ما أستخلصته ثابتة قبل المتهمين المقضى بإدانتهم ثبوتا كافيا على نحو ما ورد بالوصف القانوني الصحيح الذي أسبغته المحكمة على الوقائع التى أرتكبوها، إذ اطمأنت إلى شهادة شهود الإثبات، وإلى ماجاء بالأدلة الفنية، ومن استمعت اليهم المحكمة بهيئة مغايرة في إعادة محاكمة المتهم رقم 194 على نحو ما سيرد بأسباب هذا الحكم، ويرتاح وجدانها إلى الأخذ بها سندا للإدانة، ولا تعول على إنكار المتهمين بحسبان أن تلك هى وسيلتهم فى الدفاع لدرء الاتهام بغية الافلات من العقاب.
وبعد الاطلاع على مواد القانون حكمت المحكمة حضوريا، بمعاقبة كلا من "ميكسيموس بولس عبد الملاك، ومحمد صالح سعيد عبد ربه شعلان، وخلف الله السيد حسن عوض، وياسر محمد محمود محمد، وسارة جمال السيد والاسم الصحيح سامية جمال، وإسلام عادل علي محمد، وأحمد سمير سعد فضل النجار" بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات عما أسند اليهم.
ثانيا بمعاقبة المتهم طارق شمس الدين أحمد، بالسجن المشدد لمدة 5 سنوات عما أسند اليه من اشتراكه فى التجمهر، وثالثا بمعاقبة كلا من المتهمين الحدث محمد قناوى عفان وحسام محمد على عبدالرحمن بالسجن لمدة خمس سنوات عما أسند اليهم، ورابعا بإلزام المحكوم عليهم بالبندين الأول والثالث بدفع مبلغ 17 مليون و920 ألف و622 جنيه قيمة ما خربوه.
وخامسا معاقبة المتهم إسلام عادل على بالحبس سنة مع الشغل عما أسند اليه من إحرازه لمخدر الترامادول، وسادسا بإلزام المحكوم عليهم عدا الحدثين حسام محمد ومحمد قناوى بالمصروفات الجنائية، وسابعا بمصادرة الأدوات المضبوطة، وثامنا ببراءة كلا من مصطفى كامل الدردير وأحمد كامل كامل الدردير، وتاسعا ببراءة إسلام عادل على مما نسب اليه من اتلاف سيارات المارة والقاطنين بشارع الفلكى، وعاشرا ببراءة طارق سمش الدين مما نسب اليه من الاشتراك فى حرق هيئة الطرق والكبارى.
صدر الحكم برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، وعضوية المستشارين طارق محمود محمد وحسام الدين فتحي، وبحضور حمدي الشناوي، الأمين العام لمأمورية طرة وبسكرتارية طارق فتحي.
وتضمن قرار الاتهام، إحالة 269 متهما إلى محكمة جنايات القاهرة و24 حدثا إلى محكمة الطفل، وذلك لاتهامهم بالضلوع في تلك الأحداث التي أسفرت عن وقوع أعداد من القتلى والجرحى في أحداث العنف بمحيط مجلس الوزراء.
ونسب قضاة التحقيق، المستشارين وجدي عبد المنعم، ووجيه الشاعر، وحسام عز الدين، للمتهمين ارتكابهم جرائم تجمهر مخل بالأمن والسلم العام، ومقاومة السلطات ومنعهم قوات الأمن، من تأمين وحماية المنشآت الحكومية، والحريق العمدي لمبانٍ ومنشآت حكومية وإتلافها، والتخريب وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة.
وتضمنت الاتهامات تعطيل المرافق العامة وحيازة أسلحة بيضاء وقنابل مولوتوف وكرات لهب، فضلا عن حيازة البعض منهم لمخدرات بقصد التعاطي وممارسة مهنة الطب من دون ترخيص.
كما تضمنت الشروع في اقتحام مبنى وزارة الداخلية لإحراقه، وإتلاف وإحراق بعض سيارات وزارة الصحة وسيارات تابعة لهيئة الطرق والكباري وبعض السيارات الخاصة بالمواطنين والتي تصادف تواجدها في شارع الفلكي.
كما تضمن قرار الاتهام، أن المباني الحكومية التي تم التعدي عليها واقتحامها وإحراق بعضها وإتلاف كل أو بعض منشآتها هي المجمع العلمي المصري، ومجلس الوزراء، ومجلسي الشعب والشورى ومبنى هيئة الطرق والكباري، الذي يضم عددا من المباني الحكومية ومن بينها حي بولاق وحي غرب القاهرة وهيئة الموانىء المصرية وهيئة مشروعات النقل وهيئة التخطيط وفرع لوزارة النقل.