تعد صناعة الأحذية من أهم الصناعات التى يعتمد عليها الاقتصاد المصري، فهى المنتج الأكثر استهلاكا ورواجا في السوق المحلية على كافة المستويات الاجتماعية، ورغم ذلك لا تزال تتعرض هذه الصناعة الهامة لأزمات اقتصادية منذ عدة سنوات.
وأظهرت بيانات حكومية صادرة من المجلس التصديري للجلود والأحذية والمنتجات الجلدية، عن تراجع حجم صادرات مصر من المنتجات الجلدية، بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة، ثم ارتفع من جديد في العام الماضي، فبعد أن بلغت الصادرات 169 مليون دولار في 2015، تراجعت إلى 110 ملايين دولار فى 2018، وفى 2019 انخفضت إلى 78.475 مليون دولار، واستمرت فى الانخفاض خلال 2020 لتسجل 52.2 مليون دولار، بينما ارتفعت إلى 86.1 مليون دولار خلال 2021.
ووفقا لغرفة صناعة الجلود، انخفض عدد المنشات الصناعية من 25 ألف منشأة قبل عام 2011 إلى 17600 منشأة حالياً، تتنوع بين مصانع وورش متوسطة وصغيرة بإجمالى استثمارات تقدر بنحو 4 مليارات جنيه. ويتراوح حجم الإنتاج المحلى من الأحذية بين 80 و100 مليون حذاء سنويا، بينما يتم استيراد نحو 150 مليون حذاء، فى حين يصل حجم الاستهلاك سنوياً إلى 200 مليون زوج.
وبلغ حجم واردات مصر من المنتجات الجلدية خلال 2016 نحو 205 ملايين دولار، وفى 2017 بلغ 150 مليون دولار، ثم 213 مليون دولار خلال 2018، و228 مليون دولار فى 2019، و195 مليون دولار فى 2020، و214 مليون دولار فى 2021.
وتعليقا على الأزمة، قال محمد مهران رئيس شعبة الجلود بالغرفة التجارية، إن صناعة الاحذية من أهم وأقدم الصناعات التى يعتمد عليها الاقتصاد المصري.
وأوضح "مهران" في تصريح خاص لـ "أهل مصر"، أن هناك شقين لصناعة الأحذية؛ وهما الدباغة حيث أن الجلد المصري يحظى بإقبال من جميع دول العالم في التصدير، ولكن للأسف تصدير المنتج النهائي ليس له نصيب أكبر، حيث يحتاج الأمر إلى التنمية وإقامة معارض أكبر، والسعي لإيجاد سبل للتصدير.
وكشف "مهران" أن مصنعي المنتجات الجلدية، يجتهدون عبر طريقي التصدير والسوق المحلية، مضيفا أن السوق المحليه تعاني من ركود بنسبة بسيطة، نتيجة ترتيب المواطن لأولوياته والتي أصبحت على رأسها المواد الغذائية والصحة والتعليم والعلاج، أكثر من شراء المصنوعات الجلدية أو حتى الملابس.
وأضاف أنه رغم ذلك، استطاعت الدولة المصرية تحقيق طفرة فى صناعة المنتجات الجلدية المختلفة، فهناك تطور سواء في الموديلات والتكنولوجيا المستخدمة، كما طالب المصنعين بإيجاد سبل أكثر للتصدير للخارج.
وأشار إلى أن هناك عاملين يساهمان في تطور صناعة الجلود، وهما؛ أولا القيادة السياسية ووزارة التجارة والصناعة، حيث تمت إقامة مدينة و100 مصنع للمصنوعات والمنتجات الجلدية على أعلى مستوى وأحدث النظم العالمية، وذلك بجوار مدينة الجلود التي أصبحت مدينة كاملة متكاملة على أحدث المستويات العالمية كما تتميز بتصميماتها المختلفة تماما، وكان هذا توجه القيادة السياسية لتعميق الصناعة المصرية، والدليل إنشاء أول مدينة متخصصة في الجلود في الشرق الأوسط، وحاليا إنشاء 100 مصنع على أحدث طراز لعمل المنتج النهائي.
وأكد "مهران" أن وزارة الصناعة لم تدخر جهدا في هذا الصدد، حيث تجري الوزيرة نيفين جامع، زيارات ميدانية للوقوف على آخر المستجدات بالمدينة، مضيفا أنه يجرب استيراد بعض من مدخلات صناعة الأحذية وإكسسورات الصناعة من الخارج، وهناك سبيل لإنتاج ذلك في مصر.
وأكد "مهران" أن هناك تطورا في صناعة الأحذية من حيث حداثة الموديلات لمواكبة الاتجاهات العالمية، إلا أن المصنعين يحاولون الاجتهاد بشكل كبير للإرتقاء بالصناعة.
وعن ارتفاع الأسعار، أوضح مهران أن ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، أثر بالفعل على صناعة الأحذية والدباغة بشكل كبير، نتيجة لاستيراد كافة المواد الكيمياوية الخاصة بالدباغة من الخارج، بالإضافة إلى وجود معوقات فى الاستيراد، موضحا أن تلك المعوقات تتمثل في عدم توفير العملة الأجنية داخل البنوك، مؤكدا أن هناك محاولات من الدولة لامتصاص تلك الأزمات، والتي تعد أزمات عالمية حيث تبذل الدولة قصاري جهدها لتوفير العملة للاستيراد وهذا يرجع لمدى حرص الدولة على قوة الجنيه المصري.
وأشار رئيس شعبة الجلود، إلى أن تكلفة صناعة الحذاء في مصر لا تزيد عن 500 جنيه، وأن أسعار المنتج النهائي والأحذية المعروضة في الأسواق، لم يزد سعرها بهدف استمرار رواج عمليات الشراء، موضحا أن مدخلات صناعة الجلود اللازمة لـ إنتاج حذاء واحد تقدر بنحو 2.5 قدم ما يعني تكاليف تصل إلى 100 جنيه فقط للجلود، بالإضافة إلى نحو 200 جنيه تكاليف المدخلات الأخرى من النعل، والإكسسوارات والحلي، ونفقات تصنيع وعمالة.
ومن جانبه، قال أشرف فوزي أحد المصنعين، إن صناعة الأحذية المصرية من أعرق الصناعات منذ قديم الأزل، حيث أن مصر تمتلك أفضل وأفخر أنواع الجلود.
وأوضح أشرف أنه رغم أهمية تلك الصناعة، إلا أنها تواجه عددًا من التحديات؛ ومنها ندرة العمالة الفنية المدربة والمهنية، والتي تستطيع مواكبة الموضة العالمية.
وقال "فوزي" إن ارتفاع أسعار الخامات يمثل أزمة كبيرة، حيث أن 45% من تكلفة مدخلات إنتاج الأحذية تتمثل في الجلود، و55% مدخلات أخرى مثل النعال والكرتون والعمالة والخيوط وغيرها، بالإضافة إلى الجلود المصنعة كالمشمع والاسكاي وغيرها، والتي تتميز بكونها أعلى سعرا وتكلفة من الجلد الطبيعي، حيث أن الجلد الطبيعى أصبح متوافرا بكثرة في مصر.
وأضاف أن هناك أزمة في دباغة الجلود، حيث أن الدباغة تتم بمواد كيميائية معينة، يتم استيراد 90% منها، وللأسف مع قرار وقف وتقليل الاستيراد أصبحت هناك مشكلة، حيث اضطر كثيرون لرمي الجلد الطبيعي، حيث أن للجلد الخام فترة صلاحية.
وأضاف أن الأزمة الاقتصادية العالمية ألقت بظلالها على كافة الصناعات، ومنها صناعة الأحذية، رغم جهود الدولة لتوفير العملة الصعبة لاستيراد الخامات، مطالبا بتشديد الرقابة على التجار والمصنعين، فالبعض بل الأغلبية منهم، يصنعون المنتج في مصر ويصدروه للخارج، ثم يستوردوه مرة أخرى، لرفع الأسعار، وهو ما يربك سوق الحذاء المصري .
وتابع "فوزي" بأن دخول الأحذية المهربة والصينية أضر بسوق الحذاء، حيث أن سعر الحذاء الصيني أرخص بكتير من المصري، رغم عدم جودته، ولكن المستهلك أصبح لا ينظر للجودة ولكن إلى السعر، ولا يمكن خفض سعر الحذاء المصري أكثر من ذلك، لأن "السوق مش ناقص خسارة".
وأكد "فوزي" أن هناك جهودا من الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، للعمل على دعم صناعة الحذاء، وتوفير مدخلات الصناعة والإنتاج، للإرتقاء بالذوق المصري ومحاربة الجشع.
ومن جانبه، قال شريف يحيى رئيس شعبة الأحذية والمنتجات الجلدية بغرفة القاهرة التجارية، إن الازمة الاقتصادية كان لها تبعاتها على كافة الصناعات، ومنها صناعة الأحذية، فارتفاع أسعار الطاقة أثر على النقل والشحن والتصنيع أيضا، بالإضافة إلى ارتفاع مستلزمات الإنتاج والمواد الخام .
وأوضح "يحيى" أن كل تلك العوامل أدت لارتفاع أسعار المنتج "الحذاء"، ولكن بهامش بسيط، نظرا لما يتعرض له المستهلك من زيادات، مما أدى إلى تقليص حجم الإنتاج، لأن المستهلك أصبح لا يشتري إلا للضرورة.
ودعا إلى ضرورة التوسع في تصنيع مستلزمات الإنتاج في مصر، بداية من الجلود الصناعية والنعول بجانب تطويرها، لأننا نحتاج إلى التنوع فى المنتجات حتى تلائم الأذواق والقوى الشرائية المختلفة فى المجتمع المصري.
وأضاف أن أزمة نقص العمالة المدربة والماهرة، التي لديها وعي بالذوق المصري والعالمي لخلق منتج جديد، مشيرا إلى أنه لابد من توطين صناعة الأحذية محليا، حيث تمثل الورش الصغيرة 70% من الصنعة و30% تمثلها المصانع.