أعلنت وزارة الأوقاف المصرية موضوع خطبة الجمعة اليوم، تحت عنوان: «احترام الكبير»، إذ تتناول الخطبة تعاليم الدين في التعامل مع الكبار واحترامهم وتوقيرهم، باعتباره قيمة إنسانية نبيلة، وخلق إسلامي أصيل، فيما يؤدي الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، صلاة الجمعة وخطبتها بمسجد صلاح الدين بالمنيل.
خطبة الجمعة اليوم.. مساجد مصر تتحدث عن "احترام الكبير"
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابهِ الكريمِ: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
إنَّ احترامَ الكبيرِ قيمةٌ إنسانيةٌ نبيلةٌ، وخلقٌ إسلاميٌّ أصيلٌ، ونظرةُ الإسلامِ إلى الكبارِ نظرةُ تقديرٍ وإجلالٍ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (خِيارُكم أطوَلُكُم أعمارًا، وأحسَنُكُم أخْلاقًا)، ويقولُ ﷺ: (البَرَكةُ مع أكابِرِكُم)، وحينمَا جاءَ سيدُنَا أبو بكرٍ (رضي اللهُ عنه) إلى نبيِّنَا ﷺ آخذًا بيدِي أبيهِ- الشيخِ الكبيرِ أبِي قحافةَ؛ ليسلمَ، قالَ ﷺ: لأبِي بكرٍ (رضي اللهُ عنه): (أَلَا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَكُونَ نَحْنُ الَّذِي نَأْتِيهِ ؟) إكرامًا لشيبتهِ.
وقد دعَا دينُنَا الحنيفُ إلى احترامِ الكبيرِ وإكرامهِ وتبجيلهِ، فهو الذي أفنَى شبابَهُ في طاعةِ اللهِ (عزّ وجلّ)، وفي خدمةِ وطنهِ ومجتمعهِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (إنَّ مِن إجلالِ اللَّهِ إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالِي فيهِ والجافِي عنْهُ وإِكرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ)، ويقولُ ﷺ: (ليسَ منَّا مَن لم يرحمْ صغيرَنَا، ويُوَقِّرْ كبيرَنَا)، ويقولُ (عليهِ الصلاةُ والسلامُ): (يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ علَى الكَبِيرِ)، وقال ﷺ لِمَن أرادَ أنْ يتقدمَ في الكلامِ قبلَ رجلٍ كبيرِ السنِّ: أي: اقدرْ التقدُّمَ في العمرِ قدرَهُ، ولا تتكلمْ قبلَ الكبيرِ.
وعندمَا سَألَ نبيُّنَا ﷺ أصحابَهُ (رضي اللهُ عنهم) عن شجرةٍ مثلهَا مثلُ المسلمِ، تُؤتِي أُكلهَا كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّهَا، ولا يسقطُ ورقَهَا، وقعَ في نفسِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ (رضي اللهُ عنهما) أنَّها النخلةُ، وكانت إجابتُهُ صحيحةٌ، ولكنَّهُ مع صغرِ سنهِ كرِهَ أنْ يجببَ النبيَّ ﷺ في حضرةِ كبارِ الصحابةِ (رضي اللهُ عنهم) احترامًا لهُم.
وبلغَ مِن اهتمامِ الشرعِ الحنيفِ بالكبيرِ أنْ أوصَى بمزيدٍ مِن التخفيفِ عليهِ في أداءِ العباداتِ رأفةً بهِ، ورعايةً لضعفهِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (إذا صلَّى أحدُكُم بالناسِ فليخففْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ، والشيخَ الكبيرَ، وذا الحاجةِ، كما اعتنَى الإسلامُ بكبيرِ المقامِ، وحثَّ على توقيرِهِ واحترامِهِ، حيثُ أمرَ نبيُّنَا ﷺ الصحابةَ رضي اللهُ عنهم بالقيامِ إلى سيدِنَا سعدِ بنِ مُعاذٍ (رضي اللهُ عنه) وقال لهم: (قومُوا إلى سيدِكُم)، ويقولُ نبيُّنَا (عليهِ الصلاةُ والسلامُ): (أنزلُوا الناسَ منازلَهُم)، وفي ذلك إرشادٌ إلى إكرامِهِم وتبجيلِهِم، والإحسانِ إليهِم.
ولا شكَّ أنَّ قيمةَ احترامِ الكبيرِ تتأكدُ إذا كان الكبيرُ ذَا رحمٍ، لذلك كان احترامُ الوالدينِ وبرهُمَا شيئًا لا نظيرَ لهُ، فقد أمرَنَا الحقُّ (سبحانَهُ وتعالى) بتمامِ البرِّ والإكرامِ لهمَا ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ في كتابهِ العزيزِ: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }، وقد أكدتْ الآياتُ على حقِّ الوالدينِ خصوصًا عندَ الكبرِ؛ ردًّا لبعضِ جميلِ عطائِهِمَا غيرِ المحدودٍ، وشكرًا على تضحياتهِمَا التي لا نظيرَ لهَا، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، وذلك دأبُ الأنبياءِ والمرسلين، فهذا نبيُّ اللهِ (يحيَى) عليهِ السلامُ يقولُ سبحانَهُ في حقِّهِ: { وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا }، ويقولُ تعالَى على لسانِ عيسَى (عليهِ السلامُ): { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)، وقد زارَ نبيُّنَا ﷺ قبرَ أُمِّهِ، فبكَى وأبكَى مَن حولَهُ؛ برًّا بهَا وشوقًا إليهَا.
خطبة الجمعة اليوم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، لا شكَّ أنّ الموفقَ هو مَن استجلبَ دعوةَ أبويهِ باحترامِهِمَا والإحسانِ إليهمَا، فتتحققُ سعادتُهُ في الدنيا والآخرةِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٌ لا شَكَّ فيهِنَّ، دَعوةُ المظلومِ، ودعوةُ المسافرِ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ)، فدعوةُ الوالدِ لولدهِ لا تردُّ ولا تموت، أمَّا مَن لا يعرفُ احترامَ والديهِ وبرهمَا فلا خيرَ فيهِ أصلًا، وهو على خطرٍ عظيمٍ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (لا يدخلُ الجنةَ منَّانٌ، ولا عاقٌّ، ولا مُدمنُ خمرٍ)، ويقولُ ﷺ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ
كما أنَّ المبالغةَ في احترامِ الوالدينِ وبرِّهِمَا سبيلُ رضی اللهِ (عزَّ وجلَّ)، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (رِضا اللَّهِ في رِضى الوالِدَينِ ، وسَخَطُ اللَّهِ في سَخَطِ الوالدينِ.. اللهم احفظْ مصرَنَا، وارفعْ رايتَهَا في العالمين.