لم يكن يعلم الشاب 'محمد' صاحب الثلاثين عامًا، أن ألمًا بأسنانه سينتهي به في نهاية المطاف إلى إزهاق روحه، ويخطف الموت حياته ولم يمنحه العمر مزيدًا من السنوات كي يُسعد أُسرته بزفّه عريسًا إلى إحدى الفتيات، ليجبرها القدر على زفّه عريسًا إلى مثواه الأخير، لتنطفئ شمعته ومعها ضحكة عائلته، في واقعة مثيرة عنوانها 'الإهمال الطبي'.
يروي 'هيثم عبد الرازق' الشقيق الأكبر والوحيد للشاب 'محمد' ضحية الإهمال الطبي، يقطن مدينة دمياط، تفاصيل الواقعة المثيرة، قائلًا: إن شقيقه محمد يبلغ الثلاثين من عُمره وهو شقيقه الوحيد، وكان يُعاني من آلام بأسنانه ومع الوقت تطور الأمر إلى حدوث تجمّعات صديدية بالحنجرة، ولم ينتظر شقيقه كثيرًا فقد توجّه على الفور، وتحديدًا يوم السبت 28 أغسطس الماضي، لمركز رواد لطب الأسنان بدمياط والذي يُديره طبيب جراحة وجه وفكّين يُدعى 'م. أ' بحسب حديثه، وكان رأي الطبيب ضرورة إجراء عملية للفتح بالحنجرة واستخراج الصديد حتى لا يؤثر على التنفس، ولكنه اشترط أن تُجرى تلك العملية بمستشفى يُدعى 'الصفا' وهو أحد المستشفيات الخاصة بمحافظة دمياط، كما طُلب منه سداد 8000 جنيه نظير قيام الطبيب بإجراء العملية.
وأضاف 'عبد الرازق'، لـ'أهل مصر'، أنه 'قام شقيقه بإجراء أشعة مقطعية وكذلك بانوراما قبل انتقاله للمستشفى الذي اشترطه الطبيب على شقيقه، بعدها ذهب لإجراء العملية، ودخل محمد المستشفى ولم يكن طبيبه قد وصل بعد ولكن سرعان ما حضر الطبيب ولم ينتظر كثيرًا ففي غضون 12 دقيقة منذ وصول شقيقه محمد المستشفى كان شقيقه في غرفة العمليات'.
الشاب الضحية
'العملية أخِرها ساعة بالكتير وسيبونا نشوف شغلنا واتفضّلوا' هكذا قال الطبيب للمرافقين للحالة قبل شروعه في إجراء العملية، بحسب شقيق الشاب، متابعًا: 'كانت ثقة الطبيب تغلب عليه وكلامه لا يُنذر بأن محمد سيجري عملية خطيرة، بل كانت الثقة المفرطة لدى الطبيب هي السمة التي رآها الجميع'.
ويُتابع: 'دخل محمد لغرفة العمليات في غضون الساعة الثانية عشر ونصف بعد منتصف الليل، وانتظر هو والمرافقين معه بالخارج ومرت الساعة التي كان يتحدث عنها الطبيب ولم يخرج محمد، ومرت ساعة أخرى ولم يخرج، ومرت ساعات وساعات يشاهد الجميع خلالها تحركّات مُريبة للعاملات بالمستشفى يسيرن بسرعة جنونية، وأجهزة يحملها المصعد من الأرضي إلى الطابق السادس ذهابًا وإيابًا مرات عدة، ولم يهتم أحد لسؤاله هو والمرافقين عمّا يحدث حيث كان جميع العاملين بالمستشفى يتعمدون عدم الإجابة عليهم، بينما محمد كان بالداخل يُصارع الموت وربما كان قد فارق الحياة'.
توقّف القلب 20 دقيقة
واستكمل شقيق الشاب: 'مع آذان الفجر خرج طبيب التخدير بالعملية ويُدعى (م. ش) ليُخبره بأن شقيقه قد تم نقله لغرفة العناية المركزة بسبب تعرّضه لمضاعفات أثناء العملية، قبل أن يصدمه بعدها بقوله: أخوك بين إيدين ربنا ادعيله، ثم ترك طبيب التخدير الجميع ليغادر المستشفى دون رجعة، ودخل هو والجميع ليروا شقيقه محمد فوجدوه لا يُحرّك ساكنًا والأجهزة فقط هي التي تعمل، ولكن درجة الوعي لديه كانت لم تتجاوز الـ 3/15 وهي أسوأ درجات الوعي لدى الإنسان'، مستكملًا: 'ظل شقيقي فاقدًا للوعي على مدار يومين متتاليين أجهزة العناية فقط هي التي تعمل دون استجابة منه ولم يتحسّن وضع المخ وهنا كانت المفاجأة الكبيرة لهم'.
وأردف: 'عقب عملية التخدير التي تعرّض لها شقيقي محمد تأثّر القلب كثيرًا حتى توقف لمدة وتم استعادته بعد محاولات استغرقت 20 دقيقة وكانت تلك المدة كفيلة بتدمير خلايا المخ بشكل كبير وهنا ربما كان شقيقي ميّتًا داخل غرفة العمليات' بحسب قوله، مشيرًا إلى أن نوع المخدّر الذي أقدم طبيب التخدير المدعو 'م. ش' على إعطاءه لشقيقه يسمّى 'ايزوفلوران' مستخدمًا معه 'بروبوفول' وهو مهدئ للمساعدة على التخدير، ولكن لم يتم فحص محمد نهائيًا قبل العملية ولم يتم عمل رسم القلب أيضًا، كما لم يتم عمل إشاعات إيكو كما هو معتاد قبل إجراء أية عملية جراحية.
دفع حياته ثمنًا للإهمال الطبي
وأكد شقيق الشاب الضحية، أنه 'جاء في تقرير العناية بمستشفى الصفا أنه تم استدعائهم في تمام الساعة الثانية والنصف صباحًا بعد تدهور حالة شقيقه ليقوم وقتها الطاقم الطبي بالعناية بمحاولة انعاش القلب في محاولة استغرقت مدة 20 دقيقة بعدها كان قرار طبيب الحالة المدعو (م. أ) باستكمال الجراحة بعد توقّف القلب وعودته، ورغم تدمير خلايا المخ خلال مدة توقّف القلب أراد الطبيب استكمال العملية الجراحية التي كان يجريها'، بحسب قوله، مُردفًا أنه في فجر يوم الثلاثاء31 أغسطس أعلن المستشفى نبأ وفاة شقيقه 'محمد' وربما كان خبر إخبارهم جاء متأخرًا حيث ما رأوه جميعًا وما بدا أمامهم أن شقيقه قد فارق الحياة داخل غرفة العمليات، وأنه دفع حياته ثمنًا للإهمال الطبي داخل المستشفى.
'أخويا مات نتيجة الإهمال الطبي، وطبيب الجراحة والتخدير همّا المسؤولين عن الحالة وهمّا اللي أخدوا قرار استكمال العملية بعد ما تعرّض له من مضاعفات والمجازفة بحياته بعد توقّف قلبه لمدة طويلة أثناء العملية وهو ما جاء في التقرير الطبي' بهذه الكلمات اختتم شقيق الضحية، حديثه لـ'أهل مصر'، مضيفًا: 'دي عملية في أسنانه ومكتوب في التقرير الطبي للطبيب الذي أجرى العملية بأنه بعد عودة العلامات الحيوية تم على عَجَل خلع ضرسين من فمه، لكن تقرير طبيب العناية ذكر أنه بعد 20 دقيقة من إنعاش القلب الرئوي المتقدّم عادت العلامات الحيوية وتم استكمال العملية الجراحية بمعرفة طبيب الجراحة وطبيب التخدير.. واحد حصل فيه كل المضاعفات دي إزاي تكمّل العملية وانت عارف إنه ممكن يكون بيموت أو مات بالفعل؟!'، مناشدًا الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، والنائب العام وجميع المسؤولين المعنيين بمحاسبة جميع المقصّرين والمتسببين في وفاة شقيقه وحيده وسنده حتى يُضمد جرحه وجرح والدته التي يحترق قلبها على نجلها، وحتى يتوقّف مسلسل الإهمال الطبي في مصر وإزهاق أرواح الأبرياء.
الشاب الضحية