د. خالد عاشور يكتب: أبو النور

خالد عاشور
خالد عاشور

"المتخصص في الشأن الإيراني" لقب كثيرًا ما نطالعه على شاشات الفضائيات وفي وسائل الإعلام المختلفة مرفقًا باسم أحد هؤلاء الذين يدّعون أنهم متخصصون في هذا الشأن العويص الدروب، في الوقت الذي قد لا يعرف صاحب هذا اللقب أين تقع إيران على الخريطة.

لكن الماكينة الإعلامية التي لا تكف عن الدوران، تحتاج ساعاتها الأربع والعشرون إلى وقود يملؤها، فكان أن اتسعت مساحة "السبّوبة" لينفذ منها هؤلاء المدّعون.

ولقد اقتربت من هذا الملف المعقد قليلًا مما مكنني من التعرف بسهولة على المتخصص بالفعل في الشأن الإيراني من المتخصص في التعامل مع دولارات البث التليفزيوني (وكلها عشر دقايق ع الهوا) يهرف فيها بما لا يعرف عن هذا البلد وملفاته السياسية والإقليمية والنووية.

لكن الزميل الصحفي محمد محسن أبو النور يقف وحده في هذا الإطار - على حداثة سنه - ليثبت أن البحث العلمي والأكاديمي والتحليل السياسي المبني على أسس علمية راسخة ما زال موجودًا - وإن كان قليلًا - وسط مهرجي الفضائيات.

لقد عمّق أبو النور مجرى تخصصه في هذا المجال، يسنده في ذلك رسالتان أكاديميتان (الماجستير والدكتوراه) حازتا مرتبة الشرف الاولى من جامعة الأزهر في "العلاقات المصرية الإيرانية منذ عام 1970 حتى عام 1988"، ويشهد لهذا الرسوخ عشرات الدراسات والبحوث العلمية المُحكَّمة له في تحليل السياسات الإيرانية، فضلًا عن محاوراته الخاصة مع أطراف مؤثرين في المشهد الإيراني مثل الشهبانو فرح ديبا، ومريم رجوي، فضلًا عن المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية (أفايب) الذي يرأسه ويفيض علينا أسبوعيًا بعشرات الدراسات العلمية الموضوعية لباحثين أكْفاء في كافة مناحي الشأن الإيراني، السياسي والاقتصادي والفني والاجتماعي والأدبي وطبعًا النووي.

لقد سد هذا المنتدى فراغًا في الفضاء العربي كنا في حاجة إليه؛ لفهم تلك الدولة الغامضة التي تشاطئ العالم العربي وتجاوره وتناوره وتحاوره. ولا شك أن الفهم هو أولى درجات المواجهة مع الطرف الآخر. ولعل عدم الفهم أوقع السياسات العربية في أخطاء كثيرة في التعامل مع إيران .

لقد توصلت الرسائل العلمية للدكتور أبو النور إلى نتائج مهمة جدًا أرجو أن تلتفت إليها مراكز الأبحاث العربية وتوظفها في رسم سياسات وطننا العربي تجاه إيران ، من ذلك مثلًا : أنه بالرغم من العداء المعلن بين نظام الخميني وإسرائيل فإنهما تعاونا في أثناء الحرب مع العراق، وقد تم الكشف عن هذا التعاون بعد إماطة اللثام عن اتفاقية "إيران ـ كونترا" تلك التي بموجبها أمدت تل أبيب طهران بالسلاح والذخائر، وتعاون الطرفان استخباراتيًا في كثير من المجالات منها إمداد إيران لإسرائيل بصور جوية لمفاعل تموز العراقي الذي قصفته تل أبيب في العام 1981.

يشكل أبو النور حلقة في سلسلة من الباحثين الكبار الذين كتبوا بعمق في هذا الشأن. يشكل هذه السلسلة أجيال متعاقبة بدءأ بمحمد حسنين هيكل مرورًا بفهمي هويدي وليس انتهاءً بمصطفى اللباد وعلى هاشم ومحمد عباس ناجي. ولعل إضافة أبو النور تتمثل في أنه استوعب تجارب من سبقوه في هذا الملف المعقد بطبيعته، لذا اتسمت كتاباته برصانة لا تخفى على البصير بهذا الشأن.

أبارك للدكتور أبو النور حصوله على درجة الدكتوراه مؤخرًا ، وأشد على يديه، وأقول له باللغة الفارسية التي يعلمها جيدًا: (خستيه نباشيد) وهي كلمة معناها : الله يعطيك العافية.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً