اعلان

محمد مختار يكتب بدماء القلب عن شهيد الفيوم .. عندما زغردت نساء قرية العجميين ولوحت أم الشهيد لابنها أن اللقاء قريب

وداع أم شهيد قرية العجميين لابنها
وداع أم شهيد قرية العجميين لابنها

مشاعر متضاربة حاصرتني تجمع خليطا بين الحزن وبين غبطة الجندي المصري الشهيد عبد الله رمضان عشري، الذي استشهد بنيران الجيش الإسرائيلي الذي اعتدنا منه الغدر والخسة، ففي قرية العجميين التابعة لمركز أبشواي خرج أهالي القرية عن بكرة أبيهم رجالا وشيوخا ونساء يحيطون بجثمان الشهيد وعلت أصوات الزغاريد المختلطة بالدموع عقب انطلاق الجنازة من مسجد القرية، وحمل المشيعون جثمان الشهيد ملفوفا في علم مصر، ورددوا هتافات «لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله». و يا شهيد نام وإحنا نكمل الكفاح تسقط تسقط إسرائيل، هتف الفلاحون في قرية قاصية داخل ريف مصر بمحافظة الفيوم التي تنتمي صعيد مصر هتافات حاشدة تتوعد إسرائيل بالانتقام، وهتافات الثأر لمن يعرف طبيعة أهل الصعيد لن تتوقف عند حد هتافات الحناجر، فالطفل يكبر في الصعيد وهو يرى اسم قاتل أبيه أو شقيقه مكتوبا على حوائط بيته حتى لا ينسي ثأره ولا ينساه الثأر !

وداع أم شهيد قرية العجميين لابنهاوداع أم شهيد قرية العجميين لابنها

رأينا نساء كنسوة غزة اللائي اعتدن وداع الشهداء من الأزواج والأبناء بالزغاريد

لكن اللافت في جنازة الشهيد عبد الله رمضان هو موقف نسوة القرية، ففي قرى الفيوم عندما يموت شباب فإن النسوة يبالغن في إظهار الحزن لدرجة حمل سواد الطين على الرؤوس، ولكن في هذه المرة رأينا نساء كنسوة غزة اللائي اعتدن وداع الشهداء من الأزواج والأبناء بالزغاريد، ووجدنا أم الشهيد ضاحكة مستبشرة تشير لجثمان ولدها وهو يوارى الثرى بعلامة اللقاء القريب وليس الوداع البعيد، إن جنازة الشهيد رمضان تكشف لنا عن ثقافة غابت طويلا عن المجتمع الريفي المصري منذ نهاية حرب أكتوبر 1973 م ، فلأول مرة منذ عقود يخرج فلاحون يشيعون شهيدا وهم في نفس الوقت يهتفون بالثأر له وتزغرد النسوة وهن يحطن بوالدة الشهيد، وكأن هناك ثقافة جديدة ترتسم في الريف المصري لأول مرة، وهى ثقافة سيكون لها ما بعدها .

أم الشهيد رمضان وكل نسوة قرية العجميين سوف يربون أطفالهن على كراهية إسرائيل

من الان فصاعدا فإن أم الشهيد رمضان وكل نسوة قرية العجميين سوف يربون أطفالهن على كراهية إسرائيل والثأر منها، لم يعد هناك أى احتمال في المستقبل لأن تعرف هذه القرية أى طريق يمكن أن يعبره لهم دعاة ثقافة التطبيع في المستقبل، سواء دعاة التطبيع الذين يرتدون ملابس فاخرة ويطلون علي المصريين منذ عقود طويلة في برامج لا هدف لها سوى بناء علاقة وهمية بين شعب عمره 7 آلاف عام وبين شعب هجين جاء من كل بلد ليقتل ويغتصب، ولا حتى تجار الكيمياوي والخضروات والفواكه الذي هبطوا على القرى المصرية منذ تأسيس العلاقات التجارية مع الكيان الصهيوني لنشر التطبيع مقابل المال، سواء مال بيع كيمياوي رخيص أو مال شراء خضر وفاكهة وتصديرها للكيان الغاصب .

فليتوارى دعاة التطبيع وراء الشاشات وفي المراكز الثقافية وفي توكيلات التجارة الملوثة بالدماء

من الان فصاعدا فليتوارى دعاة التطبيع وراء الشاشات وفي المراكز الثقافية وفي توكيلات التجارة الملوثة بالدماء، فقد بدأ خيط جديد من الثأر بين المصريين وبين الكيان الغاصب، خيط للثأر لم يبدأ بالشهيد عبد الله رمضان، بل بدأ منذ بداية تأسيس الكيان الغاصب، وكاتب هذا المقال قابل وجلس واستمع من أهالي شهداء وأهالي أسرى وأسرى عائدون سردوا لي شهادات تدمي القلب عن زملائهم من الأسر الذين قتلوا سلخا في أوعية الزيت المغلي خلال حفلات التعذيب السادية المجنونة التي كانت تقام لهم في مراكز الأسر، وعن الجنود الأسرى المصريين الذين سحقت عظامهم ولحمهم جنازير الدبابات والأسرى الذي قطعت سيقانهم وأذراعهم بالكامل حتي يتحولوا لزواحف بشرية يسعون بأنفسهم للانتحار بسبب الألام النفسية والعضوية الرهيبة الناتجة عن هذه العملية الانتقامية الشيطانية عندما يستخدم جنود الجيش الإسرائيلي مناشير طبية لقطع أيدي وسيقان الأسرى المصريين الذين يظهرون مقاومة ظاهرة للتعذيب، فيصرخ الأسرى من الألم غير المحتمل صرخات تعلو عليها سخرية وضحك جنود الجيش الإسرائيلي المجرم رجالا ونساء، ويتم كل هذا أمام أعين الأسرى الباقين الذين حكى لي أحدهم أن كل من نجا من معسكر الأسر الذي احتجز فيه وكان عددهم بالمئات فقط عشرات الباقين على الحياة الذين عادوا على طائرة الرئيس المصري السابق أنور السادات عند عودته من زيارته الأولى للقدس .

ليس مجرد جنازة شهدت هتافات حماسية وانتهت بدفن الشهيد لكنه حدث لافت سوف يؤسس لثقافة جديدة

إن ما حدث في الفيوم ليس مجرد جنازة شهدت هتافات حماسية وانتهت بدفن الشهيد لكنه حدث لافت سوف يؤسس لثقافة جديدة، فالنسوة اللائي زغردن للشهيد سوف يتولون الآن فصاعدا تربية أجيال جديدة ترث الثأر من إسرائيل وجيشها، وفي المحيط العائلي القريب لن تقتصر هذه الثقافة فقط على أم الشهيد عبد الله عشري واخواتها وقريباتها بل سوف تتسع لتشمل كل نسوة القرية في أسرتها شهيد طوت صفحته الأيام بعد كل هذه العقود من توقف الحرب بين مصر وإسرائيل ، وسوف تجدد هذه الثقافة الجديدة وتنتقل من قرية لقرية لأخرى في كل مرة تكرر إسرائيل جريمة جديدة .. لقد منيت إسرائيل بهزيمة استراتيجية عميقة، وهى توشك أن تتورط في صراع وجودي مع شعب كامل هو الشعب المصري الذي لا ينسى ثأره لا في الصعيد وفي غير الصعيد .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
ناقد فني منتقدا فيلم «ولاد رزق»: «القصة ملهاش معنى وهدفها نشر البلطجة»