من الأخطاء الشائعة التي لقّنونا إياها في التعليم المدرسي أن التاريخ هو فقط تاريخ الدول والحكام، كما علمونا بالخطأ أن دراسة التاريخ مقصورة على المتخصصين الذين يرتدون عادة نظارات سميكة وينهمكون طوال الوقت في البحث عن مرجع أو معلومة في كتب التاريخ. لكن الحقيقة أن التاريخ ليس فقط تاريخ الدول والحكام، فعلى المستوى النظري، تشعب علم التاريخ ولم يعد مقصورًا على التاريخ السياسي فقط، بل أصبحت هناك فروعًا من علم التاريخ تشمل: التاريخ الاقتصادي: الذي يهتم بدراسة الأنظمة الاقتصادية، التجارة، الصناعة، الزراعة، النقود، وتأثير العوامل الاقتصادية على المجتمعات، والتاريخ الثقافي: الذي يدرس الفنون، الأدب، الموسيقى، الفلسفة، الدين، والعادات الثقافية للشعوب، وكيفية تطورها وتأثيرها على المجتمع. والتاريخ العلمي: الذي يتتبع تطور العلوم والمعارف، الاكتشافات العلمية، والاختراعات التي شكلت مسار الحضارات، والتاريخ الديني: الذي يدرس الأديان والمعتقدات، دورها في تشكيل المجتمعات، والعلاقة بين الدين والسلطة، والتاريخ الاجتماعي: الذي يدرس حياة الناس العاديين، عاداتهم وتقاليدهم، ظروف معيشتهم، تحولاتهم الاجتماعية، وكيفية تفاعلهم مع الأحداث التاريخية.
افكار اصطدمت بثوابت المجتمع والقيم المتعارف التي تعارف عليها
ومن بين موضوعات التاريخ التي لا يهتم كثيرون بدراستها ما يتعلق بتاريخ التنظيمات السياسية والدينية وتحولاتها، خاصة عندما تكون هذه التنظيمات الدينية متطرفة وأثرت في المجتمع، بل وانعكس تأثيرها على أجيال كاملة من شباب هذا المجتمع، وبشكل خاص، عندما تكون هذه المنظمات إرهابية صدامية، اختارت لنفسها منذ البداية أن تصطدم بثوابت المجتمع والقيم المتعارف عليها، لدرجة أن بعض هذه التنظيمات قررت أن تنطلق من مبدأ جديد لم يعرفه المجتمع المصري من قبل ولم يقبله أبدًا، ألا وهو تكفير هذا المجتمع واعتبار أفراده كفارًا وهم فقط المسلمون.
جماعة شاذة تعتنق فكر تكفير المجتمع والهجرة منه وتستحل ماله
في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وبينما كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات منشغلًا بصراعه مع من تبقى من رجال عبد الناصر، وكانت أجهزة الدولة مشغولة أو متورطة في هذا الصراع، ظهرت جماعة هاجر شبابها إلى الجبال والصحارى. وفي هذا الوقت، نشرت صحيفة الأخبار تحقيقًا عن جماعة من الشباب عاشوا في الجبال، واعتبر محرر الموضوع أن هؤلاء الشباب هم الامتداد المصري لجماعات الهيبيز التي كانت منتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية في ذلك الوقت. ولكن لم يدرك أحد حقيقة هذه الجماعة إلا بعد أن اختطفت الجماعة وزيرًا في حكومة السادات وقتلته برصاصة بين عينيه. وهنا كانت الصدمة التي عرف منها المصريون حقيقة هذه الجماعة، وهي أنها جماعة تتبنى فكر تكفير المجتمع والهجرة منه واستحلاله دم أفراده وأموالهم حتى تتخطى مرحلة الاستضعاف، إلا بعد أن تقوى وتكون قادرة على مواجهة (المجتمع الكافر) وفقًا لأفكارها.
سلطان "السروريين " صفحة مطوية أو مسكوت عنها أو مجهولة من تاريخ مصر السياسي
وبدون الإغراق في التفاصيل فإن الصدمة الكبيرة التي صدمت الجميع هى أن أفكار التكفير والهجرة لم تكن قد انتشرت فقط بين أوساط مجموعة المتورطين في جريمة قتل وزير السادات، بل أن هذه الأفكار الغريبة تسربت بشكل مذهل لتصل القرى والمحافظات ويعتنق هذه الأفكار شباب الجامعات، وكان من بينهم سلطان' السروريين ' الذي نتحدث عنه اليوم، ونحن نكتب صفحة مطوية أو مسكوت عنها أو مجهولة من تاريخ مصر الاجتماعي، وسوف نرمز له بالحرف الأول من اسمه ( ج )، ولأسباب مختلفة سوف نشير لشقيقه الذي قام على الدوام بنفس دور قفة في مسرحية ألفريد فرج الشهيرة، وهذا ( القفة ) هو مجرد مدرس إعدادي فاشل ذهب للعمل في دولة مجاورة، وبعد أن رجع لمصر التحق بالعمل عام تابعا لشقيقه ( ج ) ووجه الشبه بين ( قفة ) ألفريد فرج، و( قفتنا ) هو شخصية ذلك 'القفه' وقدرته على التكيف، وكيف أنه كان يبدل كلامه ومواقفه بسرعة من النقيض إلى النقيض.
دور عازف الكمان وثروة سلطان"السروريين " الحرام من بيع الرسائل الجامعية
ووسط حالة الفوضى الأمنية والسياسية التي شهدتها مصر عقب اغتيال السادات طالت الاعتقالات عدد كبير من الشباب المعتنقين لفكر التكفير، وكان من بينهم سلطان' السروريين ' ( ج )، ومرت الأيام بحلوها وشرها وخرج سلطان' السروريين ' من السجن ليسمح له بالسفر لدولة نفطية كبيرة يتكسب فيها من الكتابة ومن التدريس وصنع ثروته الحرام من الرسائل العلمية التي كان يكتبها بدلا من الطلاب السعوديين، وهناك كان من الطبيعي أن تلتقطه هذه الدولة، ليصبح عينها على التيار السروري من بين مواطني هذه الدولة النفطية الكبيرة، والتيار السروري لمن لا يعرفه هو تيار ديني أسسه محمد سرور زين العابدين - و هو سورى من حوران هرب من سوريا ليعمل مدرسا في الأحساء ثم القصيم ، ثم درس فى المعهد العلمى ببريده، معقل التشدد الديني في الجزيرة العربية، والتف حوله أتباع سببوا قلقا للدولة السعودية، فكان سلطان' السروريين ' ( ج ) عينا عليهم، وعندما عاد سلطان' السروريين ' لمصر كانت المفاجأة أنه في عهد مبارك وكانت القوانين المنظمة لطباعة الصحف والمجلات تمر كلها عبر عتبة أجهزة أمن مبارك، فسمح له بطباعة مجلة شهرية لا أحد يعرف حتى الآن من أين كان تحصل على أرباح تضمن استمرارها وانتظامها شهريا، ثم سمح له بطباعة صحيفة يومية في وقت تعجز فيه الصحف الحكومية نفسها عن دفع رواتب العاملين فيها أو حتى شراء ورق الطباعة، وكان المطلوب في هذا الوقت من سلطان'السروريين ' أن يلعب دور عازف الكمان، وهو تعبير إنجليزي شهير يشير إلى الشخص الذي يطلب منه لعب دور معين تحدده سلطة أو جهة لتوجيه الرأى العام أو التسرب لقطاع محدد من الجمهور .
خسة وحقارة ومرارة في حلق الرفاق القدامى لسلطان" السروريين "
ومثل الكثير من الشباب المخدوعين كنت في ذلك الوقت مشدوها بما يكتبه سلطان' السروريين ' ( ج )، بعد أن تخلى قليلا عن الفكر التكفيري علنا، إلى أن قادتني ظروف محاكمتي في قضية حقوقية شهيرة في عهد مبارك لأن التقي في سجن استقبال طرة بعدد من رفاق سلطان' السروريين' ( ج ) القدامى في جماعة التكفير، وصدمتني المفاجأة عندما وجدت حلق كل منهم يمتلىء بالمرارة وهو يتحدث عن خيانة سلطان' السروريين ' ( ج ) لهم وكيف سلمهم واحدا تلو الآخر، وتحول عنهم بشكل ينبىء عن خسة وحقارة، وهى نفس خسة وحقارة شقيقه وتابعه قفة التي يعرفها عنه كل من تعامل معه .
ابتزاز السلطة وتغريدات على تويتر تخاطب شباب لا يعرفون حقيقة سلطان" السروريين "
ووسط أمواج الفوضى السياسية التي عرفتها مصر منذ يناير 2011 وحتي 2014 مارس سلطان' السروريين ' ( ج ) كل أشكال الدجل السياسي، فعندما فشل في الحصول على منصب من بين براثن الإخوان هاجم سلطان' السروريين ' ( ج ) بكل قوته أملا في ابتزاز من ظن أن السلطة دانت لهم، وكان سلطان' السروريين ' ( ج ) في هجومه على رفاقه القدامي من أحط وأحقر من ينطبق عليهم المثل الشعبي المصري ( ﺍﻟﻜﻠﺐ ﻟﻮ ﺑﺺ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻠﻪ ﻣﻜﻨﺶ ﺍﺗﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ )، وعندما حدث الحراك حاول سلطان' السروريين ' ( ج ) أن يلعب دور الوسيط غير النزيه، لكن طرفا الحراك رفضا هذه الوساطة، ليس لأن دوره انتهى فحسب، بل أن حركة التاريخ قد تخطته هو وأمثاله و( تابعه قفة)، وخرج سلطان' السروريين ' هاربا واكتفى من دوره القديم بتغريدات على تويتر يخاطب بها الشباب الذين لا يعرفون حقيقته ولم يعيشوا تقلباته هنا وهناك من أجل الوصول لدور لن يلعبه أبدا لا هو ولا تابعه ( قفة ).
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
