بعد أن أوشك حُلم شباب قنا في مجتمع سكني هادئ بعيدا عن مناطقها المزدحمة بالسكان على التحقق، انهار الحلم مرة أخرى، لتبقى تجربة 'قرية اللقيطة' مريرة، بعد أن تحولت إلى خراب، حتى صار البعض يطلق عليها 'قرية الأشباح'.
جاهد شباب قنا كثيرا للحصول على مأوى داخل 'اللقيطة' قبل عام 1995، عازمين على تحويل الصحراء الجرداء إلى جنة خضراء، مياه وكهرباء وزرع وأشجار وحياة وأطفال، كان الإقبال عليها في البداية يمثل فرحة كبيرة، بُعدها عن المناطق السكانية ميزها بهدوئها، وبعد عام 1995 اختفى الاسم اختفى من على طاولة المسئولين، فتحولت بعد إهدار ملايين الجنيهات عليها إلى مأوى للصوص والخارجين عن القانون.
أُطلق عليها 'قرية الأشباح' بعد أن حل بها الخراب، مؤسسات ومنازل مهجورة، مياه وكهرباء منعدمة، الزراعات أصبحت أرضا بورا؛ رغم أنها قرية متكاملة المنشآت ومع ذلك لم يسمع عنها الكثيرون.
100 كيلو قطعتها 'أهل مصر' للتعرف على قصة قرية اللقيطة؟ ولماذا وكيف تم هجرها؟
أين تقع قرية اللقيطة؟
كانت قرية اللقيطة تتبع محافظة البحر الأحمر، حتى صدر قرار من رئيس مجلس الوزراء رقم 825 لعام 1996م، لتعديل نطاق الوحدة المحلية لمركز ومدينة قفط بمحافظة قنا ليصبح على النحو التالي: أن مدينة قفط العاصمة والوحدات المحلية التابعة لها 'الشيخية، والقلعة، والبراهمة، واللقيطة' وذلك بعد تسليم قرية اللقيطة من محافظة البحر الأحمر لمحافظة قنا، ثم صدر القرار رقم 32 لعام 2007 لتصبح قرية الكلاحين بدلاً من قرية اللقيطة وتصبح 'اللقيطة' قرية تابعة لها.
قرية اللقيطة المهجورة في قنا
مكتب بريد مهجور بقرية اللقيطة في قنا
مؤسسات ومنازل خراب بقرية الأشباح
لحق الخراب بكافة مؤسسات القرية وهي ليست قليلة، حيث يوجد على أرض قرية اللقيطة العديد من المباني الحكومية ومنها 'مبنى للوحدة المحلية، ودار مناسبات، وورشة صيانة، و3 محلات تجارية، ومكتب بريد، واستراحة لرئيس القرية (سابقاً)، و80 وحدة سكنية بالقرية تم تسليم 54 وحدة منها فقط، والساكن منها حاليًا 5 وحدات فقط، ومقر وحدة إسعاف، ومخبز، ومسجد، وخزان مياه أرضي سعة 500 طن، وخزان مياه علوى سعة 30 طن، ومشربيات بالقرية، يوجد بها مأوى لمحطة كهرباء بها 2 مولد ديزل، ووحدة طاقة شمسية.
كما يوجد بها 3 محطات إنتاجية لزراعة 500 فدان من قبل الهيئة العامة للمشروعات والتعمير والتنمية الزراعية تم تسليمها لـ 54 منتفعا، ومبنى إرشاد زراعي، وجمعية زراعية تم تصفيتها، وتوجد مساحات زراعية حوالي 180 ألف فدان عبارة عن وديان وهي 'وادى اللقيطة، وادى المتولة، ووادى الغزال، ووادى البطيخ، ووادى تش، ووادى زريطة، ووادى زيدون'.
مدرسة ابتدائي بقرية اللقيطة في قنا
مبنى مجلس قروي مهجور في اللقيطة بقنا
حزن وحسرة ينتاب الشخص أمام ضياع كل هذه المقومات والمنشآت لكثرة ما صُرف من ملايين عليها لإحياء مشروع ضخم ينتفع به الشباب، وتوقف منذ 20 عامًا لإهماله من قبل المسئولين في قنا، لتتحول إلى القرية المهجورة، ويأتي عليها الليل ليخفي جميع معالمها فتصبح قرية الأشباح، المياه يشتاقون إليها، والكهرباء لمبة واحدة لكل أسرة من الـ5 التي تقطنها الآن، فالمؤسسات سُرقت مستلزماتها وما تبقى منها غير الصدأ ألوانها والعنبكوت والحشرات الخطرة جعلتها مأوى لها.
ذلك أعطى فرصة للصوص والخارجين عن القانون للاستيلاء على كل ما بها من مواسير المياه وماكينات الري والنوافذ والأبواب، وأصبحت قرية اللقيطة عبارة عن خراب؛ والسبب الإهمال.
منازل مهجورة في قرية اللقيطة بقنا
عائشة محمود إسماعيل، مقيمة بقرية اللقيطة في الوقت الحالي، قالت أنها مقيمة في القرية منذ 40 عامًا عندما كانت تابعة لمحافظة البحر الأحمر، وتسلمت المشروع هي وزوجها عبارة عن منزل مكون من غرفتين صغيرتين وحوش، و7 أفدنة ونصف منزرعة بأصناف مختلفة منها الزيتون، للإقامة والإستثمار فيها، ليس هي فقط بل 54 أسرة أخرى تسلمت مثلها من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية.
مواطنة تسكن بقرية اللقيطة في قنا
من هنا يشربون أطفال اللقيطة
وأضافت أيضًا أن القرية عندما كانت في أحضان محافظة البحر الأحمر، جميع مستلزماتهم تتوفر لهم، المياه والكهرباء ومواصلات ومسئولين دائمين بداخلها ووصفتها بأنها كانت 'جنة خضراء' الجيران حولها من كل الجوانب من أماكن مختلفة زرعها قريب منها وأطفالها معها، فشعرت بأن حلمها تحقق، ولكن سرعان ما تدهور الحلم ليصبح كابوسا يطاردها منذ أن أصبحت قرية اللقيطة تابعة لمحافظة قنا في عام 1995، حيث أُهملت تمام، المياه غير مستمرة الكهرباء ضعيفة للغاية الزرع مات المؤسسات أُغلقت، المنازل هجرها السكان لصعوبة الحياة بدون أي مقومات أو تحفيز مثلما كانت في أيدي محافظة البحر الأحمر، أصبحت القرية عبارة عن خرابة.
وتستغيث السيدة باللواء أشرف الداودي، محافظ قنا بالنظر إلى قرية اللقيطة لإعادتها كما كانت، حيث أنها لا تملك مسكنا آخر وتعيش مأساة يوميًا لشراء المستلزمات والجري لمجلس قروي الكلاحين الذي يبعد عنها 35 كيلو بحثًا عن مياه الشرب، والتي عندما يشتد العطش على أحفادها تلجأ إلى موظفي الإسعاف للحصول على بعض من المياه الخاصة بهم، إضافة لأرضها التي تحولت لبور لعدم وجود مياه للري ولا المكان الذي لا يوجد حتى بداخله سوبر ماركت.
محررة أهل مصر داخل قرية اللقيطة في قنا
قرية الأشباح في قنا
وأوضح حسن حمام عبدالمجيد، المقيم مع أسرته في اللقيطة، أن 5 أسر فقط يقيمون حاليا في القرية من 54 أسرة، لعدم وجود مأوى آخر لهم، ووحدة الإسعاف من بين كل هذه المنشآت تعمل ومدرسة لا يدخلها سوى تلميذين فقط لعدم وجود أسر مقيمة فالكل هجر القرية، وباقي المنازل أصبحت مسكونة بالأشباح لغلقها أكثر من 20 عامًا دون اهتمام، وهو لا يريد شيئا حاليا سوى توفير المياه والكهرباء حيث يعيش في منطقة صحراوية والحشرات والعقارب والثعابين تملأ المنازل ولديه أطفال، ومن آذان المغرب والظلام يهل على القرية فلا يستطيع الخروج من منزله، ولا يوجد وسيلة مواصلات متاحة ولا أي شئ من مقومات الحياة.
قرية اللقيطة في قنا
وتمنى المقيمون أن يكون الخير على يد اللواء أشرف الداودي محافظ قنا الجديد، لإعادة الحياة للقرية مرة أخرى والنظر إليهم بعين الرأفة لتسهيل المعيشة داخل اللقيطة للزرع والإنتاج، وإعادة الحركة بها وتشغيل كل ما توقف بعد أن تركتها محافظة البحر الأحمر، مشيرًا إلى أنهم أموات بذلك الوضع داخل اللقيطة ومستغيثًا 'انقذونا من الإهمال'.