مفتي الجمهورية: كتب التراث ليست مقدسة.. وتجديد الخطاب الديني هو واجب الوقت (حوار - الجزء الأول)

د. شوقي علام، مفتي الجمهورية في حواره لـ أهل مصر
د. شوقي علام، مفتي الجمهورية في حواره لـ أهل مصر

♦♦ ثقة الرئيس السيسي تضع على عاتقي مزيدًا من المسؤولية.. وإصرارًا على استكمال ما بدأناه من مسيرة التطوير والتجديد

♦♦ التجديد دورٌ أصيل للمؤسسات الدينية.. والفتوى إذا لم تراعي الواقع كانت شاذة.. وأهل الاختصاص أدرى الناس بعلومهم

♦♦ البخاري يُشبه عمر بن الخطاب في الصحابة.. الطعن فيه شذوذ عن المنهج الإسلامي.. وأعداء الدين يريدون إسقاط السنة

♦♦ المتخصصون في العلوم الشرعية هم 'أهل الدين'.. ويجب أن نأخذ الشرع وفق مراد الله وبعيدًا عن إتباع الأهواء

د. شوقي علام، مفتي الجمهورية في حواره لـ أهل مصرد. شوقي علام، مفتي الجمهورية في حواره لـ أهل مصر

في الرابع من مارس عام 2013 صدر القرار الجمهوري بتعيين الدكتور شوقي علام، مفتيًا للديار المصرية للمرة الأولى، وعقب أربع سنواتٍ وبالتحديد في العام 2017 جددت مؤسسة الرئاسة ثقتها للمرة الثانية في الدكتور شوقي علام، ليصدر قرار جمهوري بتجديد تعينه 4 سنوات أخرى، وفي 24 من فبراير الماضي، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا بالتمديد للدكتور شوقي علام، مفتيًا للديار المصرية حتى 12 أغسطس المقبل.

لم يكن الدكتور شوقي علام، قبل توليه مهمة الإفتاء اسمًا معروفًا بين أوساط النخبة الدينية، ولكن نجمه سرعان ما بدا يسطع في سماء مصر والعالم الإسلامي أجمع؛ فالرجل منذ أن وطأت قدماه مبنى دار الإفتاء بالدراسة وضع لنفسه - ومن معه - خطة عمل دؤوب، قوامها تحرير العقل المصري من لوثة التطرف، ومجابهة أفكار جماعات العنف والإرهاب، وتحريك المياه الراكدة في مجال تجديد الخطاب الديني.

نجحت دار الإفتاء بقيادة الدكتور شوقي علام، ومن معه من أبناء مصر المخلصين العاملين بالدار، طيلة ثمانِ سنوات في تفنيد ضلالات جماعة الإخوان الإرهابية والرد عليها ردودًا شرعية تكشف عوارها وتبين أن الإسلام براء من هؤلاء الخوارج؛ وكان الحكم الشرعي الذي أفتت به الدار وصار حصنًا يحمي العقل الجمعي من استقطاب الجماعة، أن الإخوان خوارج العصر، والانضمام إلى الجماعة محرم شرعًا، وحسن البنا وسيد قطب ومن تبعهما دعاة فتنة وأئمة ضلال.

دحض ضلالات جماعة الإخوان الإرهابية، لم يكن هو الشاغل الأوحد لمفتي الديار ومن معه طيلة السنوات الماضية؛ بل إن الفكر المتشدد الذي عشعش وباض وفرخ في ربوع مصر جراء تغلغل التيار السلفي في المدن والقرى والنجوع كان للدار معه وقفة، حيث تصدوا بالأدلة الشرعية لهذا التشدد، وراحوا يدحضونه بخطوات مدروسة وملموسة سنجني ثمارها الطيبة خلال الفترة القريبة المقبلة.

وفي مجال تجديد الخطاب الديني، قطعت دار الإفتاء خطوات محمودة في هذا المنحنى، وكان مفتي الديار على رأس السائرين في طريق الوصول إلى تجديد فعلي للفكر الإسلامي، وما زلنا ننتظر منهم خطوات أكثر جرأة وأشد تأثيرًا؛ فالطريق مُعبد بالأشواك وما زال طويلًا.

ومن أهم الإنجازات التي تُنسب إلى الدكتور شوقي علام، وجميع العاملين بدار الإفتاء، هي تلك النقلة التاريخية التي حظيت بها الدار؛ إذ أنه في العام 2015 بادر مفتي الديار بتأسيس المجلس الأعلى للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والذي أصبحت مصر بموجبه تقود ركب المؤسسات الدينية في شتى أنحاء العالم، وباتت دار الإفتاء المصرية هي المرجعية الدينية الأولى لدور الإفتاء في العالم.

ما سبق قليلٌ من كثير، قدمته دار الإفتاء المصرية بقيادة الدكتور شوقي علام، وهي الجهود التي عوضت غياب مؤسسات دينية أخرى بقصد تارة ودون قصد تارة أخرى، خاصة في مجال مجابهة فكر جماعة الإخوان الإرهابية وما ولد من رحمها من جماعة متطرفة وتنظيمات إرهابية مثل داعش وأخواتها، ولعل السر وراء هذه النجاحات يكمن في أن قيادات الدار وجميع العاملين بها يضعون نصب أعينهم صالح مصرنا الغالية ويتخذون من أعداء وطننا عدوًا يجابهونه فكريًا ويقفون له بالمرصاد، ولا يعرفون التلون في المواقف ولا التخاذل في تلبية نداء الوطن، ويتجردون في تقديم رسالتهم الدينية بغية تنقية الدين الإسلامي مما علق به من لوثة التطرف والجمود جراء عقود من تغييب العقل وإغلاق باب الاجتهاد.

وفي أول حوارٍ مع الدكتور شوقي علام، بعد صدور قرار جمهوري بالتمديد له حتى 12 أغسطس المقبل، كرمت 'أهل مصر' مفتي الديار، ومنحته درع 'أئمة الإصلاح'، تقديرًا لجهوده في تطوير منظومة العمل بدار الإفتاء، ومجابهة الفكر المتطرف، وتحقيق خطوات بناءة في تجديد الخطاب الديني، كما قدمنا التهنئة لفضيلته على الثقة التي أولتها إياه القيادة السياسية.

تكريم د. شوقي علام، مفتي الديار المصريةتكريم د. شوقي علام، مفتي الجمهورية

وحول قرار التجديد له؛ يقول الدكتور شوقي علام: 'الثقة التي أولاني إياها الرئيس عبد الفتاح السيسي تضع على عاتقي مزيدًا من المسؤولية لتحمل أمانة الإفتاء واستكمال مسيرة ما بدأناه من تطوير في إدارات الفتوى وتجديد الوسائل والآليات قدر المستطاع'.

حوارنا مع مفتي الديار المصرية، تطرق إلى العديد من القضايا الشائكة؛ أبرزها: قضية تجديد الخطاب الديني، ونظرته للتراث؛ وهل هو نص مقدس أم رأى بشري يحتمل الصواب والخطأ؟ والحكم الشرعي في جماعة الإخوان الإرهابية، ولماذا أصبح العقل المصري أكثر ميلًا للتشدد؟ وهل يملك أحد تحديد مصائر الناس والحكم على هذا بأنه في الجنة وذاك بأنه من أهل النار؟ ومتى نتخلص من لوثة التطرف؟ وإلى نص الجزء الأول من الحوار:

د. شوقي علام - مفتي الجمهوريةد. شوقي علام - مفتي الجمهورية

♦♦كيف ينظر مفتي الديار إلى قضية تجديد الخطاب الديني؟

♦ قضية تجديد الفكر والخطاب الدعوي قضية شديدة الأهمية وعظيمة الخطر، وهي بالأساس دور أصيل للمؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، تلك المؤسسةُ العريقةُ الكبيرةُ، التي نفخرُ بالتخرجِ فيها، ويتعاون معها بقية المؤسسات المعنية بالفكر والتثقيف، فهي مسؤولية جماعية، فالتعليم يتحمل جانبًا والإعلام يتحمل جانبًا… وهكذا؛ لأننا نريد تعليمًا يؤدي إلى عقل رشيد يتعامل مع قضايا المجتمع تعاملًا حكيمًا كلٌّ في اختصاصه.

♦♦ هل ترى أن المؤسسة الدينية وصلت إلى مرحلة مُرضية في طريق تجديد الخطاب الديني، أم أنكم ما زلتم تتحسسون الخطوات الأولى نحو إخراج خطاب ديني معاصر؟

♦ بالتأكيد؛ فمنذ أن نادى الرئيس عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني ومن قبلها أيضًا، ونحن نعمل على هذه القضية شديدة الأهمية، حيث أقامت الدار من خلال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم عدة مؤتمرات لتحرير صناعة الإفتاء من خطاب الجمود والتعصب، كان منها مؤتمر بعنوان: 'الفتوى… إشكالياتُ الواقعِ وآفاقُ المستقبَلِ'، ومؤتمر ثانٍ تحت عنوان: 'دَوْرُ الفتوى في استقرارِ المجتمعاتِ'، وثالث تحت عنوان: 'مؤتمرُ التجديدِ في الفتوى بينَ النظريةِ والتطبيقِ'، وجاء المؤتمر الأخير في أكتوبر الماضي تحت عنوان: 'الإدارةُ الحضاريةُ للخلافِ الفقهيِّ'.

كما أطلقنا حزمة من المبادرات والمشروعات العلمية التي استهدفت تجديد الخطاب الديني وتفكيك الأفكار المتطرفة وتفنيدها، ولا زلنا نعمل على عددٍ من المشروعات الجديدة في هذا الإطار، وأنجزنا العديد من برامج التأهيل والتدريب للمفتين والعلماء على مستوى العالم؛ لتمكينهم من استيعاب شبهات الإرهابيين وأفكارهم والرد عليها بطريقةٍ علميةٍ وأساليب إقناعية متنوعة، وعلى مستوى الخطاب العام أطلقنا العديد من منصات التواصل الاجتماعي المتنوعة، وأنتجنا العديد من الأفلام القصيرة المناسبة لغير المتخصصين، تتضمن بأسلوبٍ سهلٍ ميسورٍ توصيل الفكرِ الصحيحِ وتفنيد الأفكار الشاذة والمتطرفة.

د. شوقي علام - مفتي الجمهوريةد. شوقي علام - مفتي الجمهورية

♦♦ هل يشترط فيمن يتصدرون الحديث عن الشأن الديني أن يكونوا من خريجي الأزهر؟

♦ لابد أن نلجأ دائمًا إلى أهل الاختصاص؛ لأنهم أدرى الناس بعلومهم وتخصصاتهم والتحديات التي تواجههم وكيفية التغلب عليها.

ولأن هذا العصر هو عصر التخصص، فلا بد من رجوع المتخصص في الفتوى للدراسات والبحوث الثابتة في مختلف المجالات، ولا بد من احترام كلام أهل التخصص وأخذه في الاعتبار ما دام يفيد ويحقق المصلحة ولا يتعارض مع الشرع الحنيف.

♦♦ لكن هناك من يؤكد أن جميع المسلمين من حقهم التحدث في الشأن الديني؛ لأن الدين معرفة وليس علمًا يحتاج إلى تخصص؟

♦ الدين أمانة لا يسأل فيها إلا أهله، والمتخصصون في علوم الفقه، والشريعة، والتفسير وغيرها من العلوم الشرعية المختلفة، ولابد أن نأخذ الدين وفق مراد الله بالتربية، والدعوة النصوح، وتهذيب النفس هو الأساس، وأخذها على مراد الله عز وجل بعيدًا عن إتباع الأهواء.

د. شوقي علام - مفتي الجمهوريةد. شوقي علام - مفتي الجمهورية

♦♦ الفقه الإسلامي وتفاسير القرآن الكريم (التراث بالعموم)؛ هل هو مجرد آراء تحتمل الصواب والخطأ أم أنه شرعٌ لا يجوز المساس به؟

♦ النظرة السوية للتراث تقتضي أن يتصل المسلمون به اتصالًا عاقلًا ورشيدًا يعالج قضايا الحاضر بواقع الحاضر، لا بواقع الماضي، والمناهج التي استفدناها من هذا التراث تعطينا المُكنة العلمية والإفتائية لقضايانا المعاصرة بعد أن نعي ضرورة الواقع، ومن دون هذا نكون شوهنا التراث والواقع.

وكتب التراث ليست مقدسة، والفتوى لابد أن تراعي المصادر الشرعية والواقع المعيشي، وتكون سببًا في الاستقرار وهداية الناس، وإذا خرجت عن هذه الضوابط كانت فتوى شاذة.

♦♦ الواقع يؤكد أننا بحاجة ماسة إلى إنتاج فقه معاصر يلبي احتياجات الناس ويتماشى مع ظروف الزمان والمكان الذي يعيشون فيه؛ فما المعوقات التي تحول دون تحقيق هذا المطلب؟

♦ قضية التجديد والتطوير في البحوث الفقهية والفتوى من أهم القضايا التي تشغل بال أهل العلم في العالم الإسلامي في وقتنا الحاضر، وهذه القضية قد برزت على أغلب منصات المؤتمرات العلمية العالمية، وتردد صداها في أروقة البحث العلمي الأكاديمي، حتى أصبحت قضيةُ التجديد هي واجبَ الوقت، وضرورةَ الضرورات.

وبالتجديد يتسنى لنا أن نساير متطلبات العصر والواقع، وأن نحقق مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء من غير إخلال بالثوابت أو إهدار لأي معلوم من الدين بالضرورة.

د. شوقي علام، مفتي الجمهورية في حواره لـ أهل مصرد. شوقي علام، مفتي الجمهورية في حواره لـ أهل مصر

♦♦ فيما يتعلق بالكتب التي جمعت الأحاديث النبوية؛ ألا ترى أن اعتبار بعضها أصح كتب بعد القرآن الكريم يُضفي عليها هالة من القداسة؟

♦ لعلك تقصد صحيح الإمام البخاري، وهو إمامٌ مجتهد، من أكابر أئمة المسلمين المجتهدين في الحديث والفقه، الذابِّين الكذبَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلَمٌ من كبار علماء الحديث روايةً ودرايةً، وأميرُ أُمَراء صَنْعَة الحَدِيث، وسيدُ المحدثين، وإمامُ زمانه، لم يُرَ مثله في علم الحديث والأهلية والفهم فيه، ولا يبغضه إلا حاسد، وهذا ما صرَّح وشهد به علماء المسلمين وأئمتهم عبر القرون، حتى قالوا عنه: إنه في زمانه كعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحابة.

وقد امتازت هذه الشهادة بالتنوع الشديد الذي يستحيل معه التواطؤ على الخطأ أو الكذب عادة؛ فقد أثنى عليه شيوخُه وأقرانُه ومعاصروه وتلامذتُه، ثم من جاء بعده، واجتماع كل هذه الطبقات على الشهادة له بالإمامة يجعل ذلك أمرًا قطعيًّا لا مرية فيه، بل إن بعض هؤلاء الأئمة الشاهدين له كانت لهم معه مواقفُ قطيعةٍ وخصومةٍ أدت إلى خروجه من بلده، فلم يمنعهم ذلك من قول الحق والشهادة له بالتفرد والأهلية، وهذا يقطع كل شبهة ويرد كل تشغيب، وبذلك يكون الطعن في الإمام البخاري خروجًا عن المسلك العلمي، وشذوذًا عن المنهج الإسلامي، وذلك من وجوه عدة: ففيه إهدارٌ لشهادة أهل التخصص على اختلاف أزمانهم وبلدانهم وطبقاتهم؛ فقد ثبتت إمامته وأهليته وإتقانه بشهادة أهل الحديث وجهابذة الرواية قاطبة، وإهدار شهادتهم مخالفٌ لِمَا اتفق عليه العقلاء مِن الرجوع في كل علمٍ وفنٍّ إلى قول أهله، وفيه طعن في أئمة الحديث وجهابذة الرواية الذين قدموا الإمام البخاري على أنفسهم في العلم والفهم والرواية والدراية، وهؤلاء الطاعنون في الإمام البخاري لا هُمْ من أهل التخصص والعلم بالحديث وفنونه وأسانيده ومتونه، ولا هُمْ أحالوا في طعنهم هذا على منهج علمي معياري بديلٍ يمكن الرجوع إليه.

كما لا يخفى على أحدٍ أن الطعن في الناقل طعنٌ في المنقول، ولهذا كثف أعداء الإسلام عبر القرون محاولاتهم اليائسة للطعن في نقلة الحديث النبوي ورواة السنة النبوية الشريفة، يريدون التوصل بذلك إلى الطعن في السنة وإسقاط المصدر الثاني للشريعة.

د. شوقي علام - مفتي الجمهوريةد. شوقي علام - مفتي الجمهورية

في الجزء الثاني من الحوار:

♦ لماذا أصبح العقل الجمعي المصري أكثر ميلًا إلى التشدد وإصرارًا على تحديد مصائر الناس؟

♦ ما حكم الدين في جماعة الإخوان الإرهابية؟ وهل ينطبق عليهم مصطلح 'خوارج العصر'؟

♦ هل ابن تيمية فقيه معتبر من فقهاء المسلمين أم أنه مرجع يستند إليه عناصر الجماعات الإرهابية؟

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً