فتحت التصريحات التي أدلى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤخرا، بشأن وجود آفاق جديدة للعمل تعتمد على التكنولوجيا والتحول الرقمي، الباب أمام الحديث عن دور كليات وبرامج دراسة الذكاء الاصطناعي، وما تمثله من أهمية مستقبلية للشباب الراغبين في فرص عمل تحقق أهدافهم في الحياة.
الرئيس عبد الفتاح السيسي دعا إلى التركيز على تعليم الأبناء مجالات البرمجة، بدلا من الاكتفاء بانضمامهم إلى الكليات النظرية التقليدية، مثل: التجارة، والآداب، والحقوق، والاقتصاد والعلوم السياسية، وغيرها، باعتبار أن مجالات التكنولوجيا الحديثة تدر دخلا على خبرائها يصل إلى 100 ألف دولار شهريا.
حديث الرئيس يتزامن مع اتجاه الدولة إلى التوسع في إنشاء الكليات التي تعتمد في الدراسة على البرامج الحديثة، حيث أنشأت 10 جامعات تكنولوجية، بدأت الدراسة بها بالفعل، فضلا عن التخطيط لإنشاء 17 جامعة أخرى.
وتشمل قائمة الجامعات التي تضم كليات تقدم برامج دراسية ترتبط بمجال البرمجة: القاهرة، بنها، حلوان، الأقصر، الزقازيق، المنصورة، وغيرها.
وإزاء هذا الواقع الذي بدأ يتغير، تثور التساؤلات حول مدى قدرة المؤسسات التعليمية من الجامعات والمعاهد، سواء الحكومية أو الأهلية أو الخاصة، على الوفاء بطموحات الدولة، وكذلك الشباب، فيما يتعلق باقتحام مجال البرمجة، وغيره من المجالات التعليمية الحديثة، مواكبة للتطور الحاصل في العالم، وما حجم التحديات التي تواجه تحقيق هذه الأحلام التي باتت مشروعة في ظل خطة الدولة مصر 2030؟
الدكتور عاصم حجازي، الخبير التربوي، وأستاذ علم النفس المساعد، بكلية الدراسات العليا للتربية في جامعة القاهرة، يصنف التخصصات المفيدة بالنسبة للشباب، تجاوبا مع التصريحات التي أدلى بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، هي كل ما له صلة بتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، وهو ما تقدمه الكليات التكنولوجية، عبر برامج تقدم المعارف والمهارات التكنولوجية المتخصصة، والمرتبطة بصناعات معينة.
وأوضح حجازي أن توجه الدولة أصبح واضحا في الفترة الأخيرة، من حيث إنشاء كليات تدرّس برامج متخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات، وتكنولوجيا المعلومات، وذلك لتعمل جنبا إلى جنب مع المدارس الفنية التي يطلق عليها برامج لدارسة
التكنولوجيا التطبيقية، والتي تؤهل إلى كليات تكنولوجية.
ولفت إلى أن التخصصات المشار إليها صارت تجتذب فعليا أعدادا كبيرة من الطلاب، خاصة في الجامعات الأهلية والخاصة الحديثة.
تحديات تعرقل أحلام الشباب في ثروات الذكاء الاصطناعي
وحول التحديات التي يمكن أن تعرقل نجاح هذه البرامج التعليمية الحديثة، اتفق عدد من خبراء التعليم على أن أبرزها هو الكلفة العالية للكليات الخاصة والأهلية، تجعل المستفيدين هم الطلاب القادرين على دفع المصروفات بهذه الكليات، مما يمثل تحديا كبير أمام السواد الأعظم من الشباب الراغبين في الانضمام إلى هذه المنظومة التعليمية الحديثة، الأمر الذي يتطلب دخول الجامعات الحكومية في هذا المعترك، وهي غير مستعدة من حيث البنية التحتية لها على خوض غمار هذه المجالات.
ويتفق الخبراء أيضا على أن الجامعات الحكومية بحاجة إلى تطوير وتحديث اللوائح، والتوسع في إنشاء البرامج الدراسية التي تواكب سوق العمل، بالإضافة إلى عقد شراكات موسعة مع القطاع الخاص، في مجال تكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، بهدف التعرف عن قرب على احتياجات سوق العمل، وأساليب التطوير المطلوبة لمواكبة متطلبات هذه السوق، التي أصبحت سريعة التغير والتطور.
كما تحتاج الجامعات الحكومية أيضا إلى إعادة بناء معاملها الفنية، وتعظيم القدرة على تطوير مهارات الطلاب، والتوسع في استخدام التعلم الرقمي، وتعميمه، إضافة إلى توفير مسارات للتدريب التحويلي للخريجين، الذين أنهوا دراستهم.
ووصف الخبراء التربويون سوق العمل في مجالات تكنولوجيا المعلومات، وكذلك الذكاء الاصطناعي، بالساحة المفتوحة، لأنه يمكن للشاب الدارس المتفوق أن يعمل عبر الإنترنت، لدى شركة مقرها في مكان على ظهر الأرض، ويتقاضى راتبه بالعملات الأجنبية، مشددين على أن طلب يتزايد عالميا حاليا، على خريجي التخصصات الحديثة، كالمبرمجين ومطوري الويب، ومهندسي البرمجيات، ومتخصصي الشبكات، ومبرمجي الكمبيوتر، بالإضافة إلى محللي أنظمة تكنولوجيا المعلومات، وتأمين البيانات، لذا فإن امتلاك خريجي الجامعات للمهارات والمعرفة الجيدة، تعد التحدي الأكبر الذي يجب العمل على توفيره، بما يضمن إيجاد عنصر بشري مواكب للطموحات.
من جهته وضع الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بكلية التربية في جامعة عين شمس، شروطا لكي تنجح التجربة الحالية في إخراج عناصر قادرة على مواكبة العصر، منها: إضافة التكنولوجيا كمادة أساسية في المدارس، وذلك حتى يمكن إعداد النشء لمواكبة الخطوات، التي تقفزها الجامعات المصرية حاليا في الطريق إلى التحول لجامعات من الجيل الرابع، بالإضافة إلى الاستمرار في الاندفاع إلى الأمام، وإدخال المزيد من البرامج الحديثة، مثل: دراسة النانوتكنولوجي.
ويطالب الخبراء التربويون بالحد من أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية التقليدية، وأيضا الكليات التي تشبعت منها سوق العمل، لفتح أعين الطلاب على الكليات الجديدة، ودفعهم إلى خوض التجربة، بدلا من الركون إلى الخوف وتقليد من سبقهم دون تفكير.