في سابقة غير مألوفة، شهدت العاصمة القطرية الدوحة هجومًا إسرائيليًا استهدف قيادات من حركة حماس أثناء اجتماعهم لمناقشة مقترحات هدنة بوساطة أمريكية-متوسطية، أسفر الهجوم عن مقتل عدد من قيادات الحركة إلى جانب ضابط أمني قطري، ما أثار موجة إدانات إقليمية ودولية واسعة، لم يكن الحدث مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل محطة مفصلية تحمل دلالات استراتيجية، تمتد من مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى مكانة قطر كوسيط دبلوماسي بارز في المنطقة.
الدلالات الاستراتيجية
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة يمثل أولًا كسرًا لسيادة الدول العربية، إذ امتد الصراع خارج ساحات المواجهة التقليدية ليطال عاصمة عربية آمنة ودولة فاعلة في الوساطات، وثانيًا، هو رسالة ردع عابرة للحدود تؤكد أن إسرائيل مستعدة لملاحقة خصومها أينما وجدوا،غير أن العملية حملت أيضًا تقويضًا لدور الوساطة القطرية، إذ أصبحت الدوحة في موقع حرج بين الحفاظ على حيادها ودورها التفاوضي وبين الرد على انتهاك سيادتها.
إلى جانب ذلك، جاء الهجوم ليضع العلاقات الخليجية-الإسرائيلية تحت ضغط جديد، خاصة أن بعض العواصم الخليجية كانت تسعى للتقارب مع تل أبيب، أما على الصعيد الدولي، فقد فتح الباب أمام نقاش متجدد حول الشرعية الدولية، بعد أن وصفت الأمم المتحدة ودول عدة العملية بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي. ومن زاوية أخرى، حمل الحدث انعكاسات على مسار الفصائل الفلسطينية نفسها، إذ قد يضعف قدرتها السياسية على التفاوض لكنه قد يدفعها نحو مزيد من التشدد والسرية.
هل سترد قطر؟
من المرجح أن تتوالى تداعيات الهجوم على عدة مستويات، فمن جهة، قد نشهد ردًا قطريًا وعربيًا منظمًا عبر المحافل الدولية للمطالبة بمحاسبة إسرائيل وتعويض قطر عن انتهاك سيادتها، ومن جهة أخرى، فإن مسار المفاوضات بين إسرائيل وحماس قد يتعطل، نتيجة تراجع الثقة في بيئة آمنة للوساطة.
كما يفتح الهجوم الباب أمام تصعيد أمني إقليمي سواء من حماس أو من أطراف داعمة لها، ما يهدد الاستقرار الخليجي، أما الولايات المتحدة، فستجد نفسها في وضع معقد، إذ تحاول الموازنة بين دعم إسرائيل وحماية أمن حلفائها الخليجيين، ما قد يدفعها لممارسة ضغوط إضافية على تل أبيب، وعلى الصعيد الدولي الأوسع، قد تتزايد العزلة الدبلوماسية لإسرائيل مع تصاعد الدعوات الأوروبية والدولية لمحاسبتها، وفي العالم العربي، قد يقود الغضب الشعبي المتصاعد إلى مواقف رسمية أكثر صرامة ضد إسرائيل، فيما ستضطر حماس إلى إعادة تموضع استراتيجي لضمان أمن قياداتها.
الانعكاسات داخل قطر
على المستوى الداخلي، يتوقع أن تترك العملية آثارًا مباشرة، فمن الناحية الأمنية، ستعمل الدوحة على تعزيز إجراءاتها الأمنية ورفع مستويات التأهب لحماية المنشآت والشخصيات السياسية، وعلى المستوى السياسي، ستسعى قطر إلى التمسك بدورها كوسيط إقليمي لا غنى عنه، مع التشديد على أن سيادتها خط أحمر.أما دبلوماسيًا، فستحاول الدوحة استثمار الحادثة لتوحيد الصف الخليجي والعربي خلفها، وإبراز نفسها كطرف إقليمي لا يمكن تجاوزه، وعلى الصعيد الاجتماعي، من المرجح أن يزداد التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، وأن تتصاعد الأصوات الرافضة لأي تقارب مع إسرائيل.
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة كشف عن تحول عميق في قواعد الاشتباك في المنطقة، حيث لم تعد العواصم العربية بعيدة عن نيران الصراع، هذا الحدث سيترك أثره طويل الأمد على مسار الوساطات الدبلوماسية، وعلى موازين القوى الإقليمية، وعلى مكانة إسرائيل في المجتمع الدولي. وبينما تحاول قطر التوفيق بين دورها كوسيط ودفاعها عن سيادتها، يبدو أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة أكثر تعقيدًا، قد تحدد ملامحها التطورات التي ستعقب هذا الهجوم غير المسبوق.