ads
ads

حين تصير شجرة الزيتون شاهدة على الحرب.. كيف استهدفت إسرائيل ذاكرة فلسطين الخضراء؟

سقوط شجرة الزيتون
سقوط شجرة الزيتون
كتب : سها صلاح

في فلسطين، ليست المعارك كلها بالسلاح والنار، هناك معركة أخرى تدور في صمت، ببطء، تحت الشمس، بين جذرٍ يتمسّك بالحياة وجرافةٍ تمارس الموت، إنها معركة شجرة الزيتون، التي تحوّلت من رمزٍ للسلام إلى شاهدٍ على أبشع وجوه الحرب، 'إنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون'، قالها محمود درويش قديماً وهكذا يرددها الفلسطينيون كلما اشتدّ العدوان، كأنما يؤكدون أن الوجود ذاته صار مشدوداً إلى هذه الشجرة التي لا تموت بسهولة.

الزيتونة التي تصمد بين الركام تحمل معنى يتجاوزها، إنها مقاومة خضراء في وجه رمادية الموت، هناك من يزرعها كل مرة من جديد، كأن الفعل ذاته إعلانُ تحد في وجه الحرب، ومن هنا، يصف الفلسطينيون الزيتون بأنه 'ذاكرة تنبت'.

مادام هناك شجرة زيتون فهناك أمل

هكذا صنع المصور الفلسطيني 'خالد طعيمة' فيديو يعيد الحياة والأمل لأهل غزة بكاميرته البسيطة التي حافظ عليها طول حرب العامين على غزة، حيث جسد 'خالد' الأمل في فيديو يعيد شعب فلسطين إلى جذور شجرة الزيتون لبدء الإعمار من هناك.

كتب ' خالد' على صفحة الفيس بوك:' هذه القطعة صنعتها لأجل غزة وأهلها، لأجل أجدادي وفلسطين، لتبقى حاضرة في الذاكرة على مرّ السنين، أشعر أني محظوظ بشهادتي على هذا التاريخ، في هذه الحقبة التي اختبرنا فيها كل المعاني، وما أنعم الله عليَّ به من قدرة على التوثيق في هذا المجال،في كل عام، كنت أنتظر موسم قطف الزيتون؛ فله في قلبي وقعٌ خاص، يحمل رائحة الأرض والطفولة والحنين، واليوم، وبينما السواد يخيّم على القلب والعقل، تبقى في أعماق القلب قطعة صغيرة من الأمل، نُهدهدها ونربيها لتنمو،لقد رسم أحمد وناجي وسائد ومن معهم من الفريق هذه الضحكات رغم أن الواقع لا يشبهها، ولكن عزاءنا أننا ما زلنا أقوياء، لأن الجمال باقٍ في قلوبنا،أنا شاهد على الإبادة، وشاهد على جمال أرواحنا، هكذا أرى غزة، وهكذا أريدها أن تبقى في عيني وعيون الغزيين'.

فيديو خالد طعيمة

أرقام مرعبة لتدمير شجر الزيتون في غزة

وفقاً للصحفي محمد سليمان على موقع 'دروب سايت' المختص بأخبار غزة، دُمر ما يقرب من مليون شجرة زيتون من أصل 1.1 مليون شجرة في غزة، إذ جرفتها القوات الإسرائيلية، أو تُركت لتموت عطشًا، أو حوصرت خلف خطوط عسكرية.

يُفيد الصحفي محمد سليمان من غزة من المواصي وخان يونس، حيث يُعاني المزارعون من خسارة ثالثة في حصادهم وصناعة زيت الزيتون على وشك الانقراض، ما كان في يوم من الأيام مصدر دخل وهوية لأكثر من 10 آلاف عائلة قد تم تدميره فقد حُطِّمت المعاصر، وانقطع الري، وقُطعت الأشجار الباقية لاستخدامها كحطب للتدفئة.

معصرة أبو زيدان للزيتون في وسط غزة

نحن سنتركهم لا شيء

تُشير تقارير حقوقية إلى أن أكثر من 75 % من أشجار الزيتون في غزة دُمرت أو فقد المزارعون القدرة على الوصول إليها بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، في تقرير حديث بعنوان 'نحن سنتركهم لا شيء' الصادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ورد أن آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية في شمال القطاع دُمرت بالكامل، وأن ما تبقى من الأشجار 'مبعثر بين الأبنية' أو 'في مناطق يصعب الوصول إليها'.

شهادات من الرماد جذور الزيتون

في مقابلة مع موقع The National روى المزارع مهدي المصري من شمال قطاع غزة قصته قائلاً: 'زرعت أكثر من 300 شجرة زيتون شرق بيت حانون قبل أكثر من عشر سنوات، كانت أرضي كأنها بساط أخضر يمتدّ إلى الأفق، الآن الأرض أصبحت مليئة بالجرافات، رأيت النيران تلتهم الشجر، والجرافات تقتلع الجذور، ولكن هناك شجرة واحدة باقية.. أراها كأنها تحكي قصة عائلتي، قصة أرضي'.

وفي دير البلح، يقول المزارع أبو طلال هذي الشجرة زرعها أبوي قبل 50 سنة، احترقت مثل أولادي اللي راحت أرواحهم، كأنهم بيقتلوا الذاكرة

أما أبو مازن فيرى أن ارتباط المواطن الفلسطيني بشجرة الزيتون ارتباطٌ وثيق، كون تاريخها يعود إلى آلاف السنين، وكونها ترمز إلى تجذره في أرضه، وإلى السلام والأمن، فضلاً عن أنها شجرة مباركة ومقدسة، مستشهداً في هذا الصدد بالمقولة الشهيرة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: 'لا تُسقطوا أغصان الزيتون من يدي' مؤكداً على أن في هذا دليلاً كافياً على أن الشعب الفلسطيني شعب محبة وسلام، لكن 'الاحتلال ما بدوش' أي لا يريد ذلك، على حد تعبيره.

لماذا تُستهدف شجرة الزيتون؟

تدمير الزيتون في فلسطين ليس أثراً جانبياً للحرب، بل فعلٌ له دلالة، فالزيتونة ليست مجرد محصول زراعي، بل جزء من الهوية الفلسطينية وذاكرة الأجداد، هي رمز الثبات، لذلك تصبح هدفاً لكل من يريد أن يقتلع هذا الثبات من جذره.

من الناحية العسكرية، تقع بساتين الزيتون في شمال غزة ضمن ما تسميه إسرائيل 'المنطقة العازلة'، حيث يُسمح للجرافات بتسوية الأرض 'لأسباب أمنية'، عملياً، يعني ذلك محو الحقول واقتلاع الأشجار تحت ذريعة تأمين الحدود، ومن الناحية الاقتصادية، فإن تدمير الأشجار يُضعف قدرة المزارعين على الصمود، ويدفعهم نحو الاعتماد الكامل على المساعدات، بينما كانت غزّة تصدّر زيت الزيتون قبل سنوات ليست بعيدة.

اقتصادياً، الزيتون هو عمود حياة آلاف الأسر، فتدمير البساتين لا يعني فقط محو اللون الأخضر، بل أيضاً تجويعاً بطيئاً، إذ يحرم العائلات من مصدر رزقها الوحيد ويدفعها إلى الاعتماد على المساعدات، وهكذا يتحول استهداف الشجرة إلى أداة لإضعاف المجتمع بأكمله.

وكان للحرب الأخيرة آثارٌ وخيمة على القطاع الزراعي في غزة، قبل اندلاعها في أكتوبر 2023، كانت الزراعة تُشكل حوالي 10% من اقتصاد غزة، وكان يعتمد عليها ما يُقدر بنحو 560 ألف نسمة، كليًا أو جزئيًا، أما الآن، فقد تضرر أو دُمّر ما لا يقل عن 75% من حقول المحاصيل وبساتين الزيتون، وفقًا لتقييم جغرافي أجرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات).

الاقمار الصناعية توضح حجم الدمار

توضح هذه الخريطة التغيرات التي تم اكتشافها عبر الأقمار الصناعية في مناطق الأراضي الزراعية في قطاع غزة نتيجة لتدهور صحة وكثافة المحاصيل بسبب الصراع المستمر، أجرى برنامج UNOSAT تحليلًا باستخدام صور الأقمار الصناعية التي تم جمعها بواسطة القمر الصناعي Sentinel-2 بين يوليو 2017 و 2025، وأجرى تحليلًا لمؤشر الفرق الطبيعي للغطاء النباتي (NDVI).

بالإضافة إلى تصنيف متعدد الأزمنة لتحديد التغييرات الملحوظة التي تحدث في مناطق الأراضي الزراعية خلال تلك الفترة الزمنية. قامت المنهجية بتقييم الضرر على أنه انخفاض في صحة وكثافة المحاصيل في يوليو 2025، مقارنة بالمواسم الستة السابقة الممتدة من 2017 إلى 2025.

يمكن ملاحظة انخفاض صحة وكثافة المحاصيل بسبب تأثير أنشطة مثل التجريف ونشاط المركبات الثقيلة والقصف والقصف وغيرها من الديناميكيات المرتبطة بالصراع، يتضمن التحليل تقييم الأضرار التي لحقت بالبساتين والأشجار الأخرى والمحاصيل الحقلية والخضروات، وتُظهر تحليلات برنامج الأمم المتحدة للتطبيقات الفضائية ومنظمة الأغذية والزراعة أن مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة تقدر بنحو 150 كيلومتراً مربعاً، وهو ما يمثل حوالي 41% من إجمالي مساحة قطاع غزة، وذلك بعد إجراء تحليل واسع النطاق للغطاء الأرضي.

بالمقارنة مع متوسط ​​السنوات السبع السابقة، أظهر ما يقرب من 86٪ من حقول المحاصيل الدائمة في قطاع غزة انخفاضًا كبيرًا في الصحة والكثافة في يوليو 2024،وفي تقييم شامل، وجد أنه كانت هناك زيادة بنسبة 3٪ في نسبة الأراضي الزراعية التي تضررت منذ التحليل السابق الذي أجري في أبريل 2024.

بالإضافة إلى ذلك، يشير التحليل إلى ارتفاع ملحوظ في تدمير البساتين والأشجار الأخرى والمحاصيل الحقلية والخضروات في محافظة خان يونس، مع زيادة قدرها 4 نقاط مئوية مقارنة بالتحليل السابق لشهر أبريل 2024، بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تصعيد ملحوظ في تدمير الأراضي الزراعية داخل محافظة شمال غزة، حيث ارتفعت النسبة المئوية من 91٪ في أبريل 2024 إلى 94٪ في يوليو 2025.

إعادة اعمار غزة

إعادة إعمار بساتين الزيتون ليست مجرد مشروع زراعي خلال إعادة الإعمار بل هو مشروع حياة، لأهل فلسطين فالزيتونة تحتاج إلى 7 أو 8 سنوات لتثمر، أي أنها وعد طويل الأجل، وعد بأن البقاء ممكن حتى إن طال الانتظار.

تطالب منظمات إنسانية حقوقية ببرامج عاجلة لإعادة زراعة الزيتون في شمال القطاع، لكنها تؤكد أن المساعدة لا تقتصر على توزيع شتلات، بل يجب أن تشمل تأمين الوصول الآمن للمزارعين، وتوفير المياه والحماية القانونية للأراضي. فبدون هذا، ستبقى الزيتونات الجديدة عرضة للمصير نفسه.

وبحسب شهادات مزارعين في منطقة شمال - شرق بيت حنون، يوجد عدد قليل من الزيتونات الباقية في الحقول المدمرة، بعضها وصفها أصحابها بأنها 'شجرة واحدة تقريباً'، لكن لا يتوفّر حتى الآن موقع ثابت بالإحداثيات أو صورة فضائية منشورة تُبين الشجرة بعينها.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً