لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .. تفسير جديد لمفهوم الولاء والبراء

العلاج بالقرآن
العلاج بالقرآن

يقول المولى سبحانه وتعالى في الاية 22 من سورة المجادلة : لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) فما هو المقصود بهذه الآية ؟ وما علاقتها بمفهوم الولاء والبراء في العقيدة الإسلامية ؟ تواجه بعض المفاهيم في الشريعة الإسلامية، حاليا، ضروبا من الاختلال في استعمالها، وأنواعا من الاضطراب في توظيفها، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب، قد يكون من أهمها ردة الفعل النفسية التي يواجهها البعض من المسلمين حيال ما يلاقيه العالم المسلم من مختلف المظالم، على الأصعدة المختلفة سواء منها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، الأمر الذي نتج عنه بروز الفكر "الخوارج" مجددا، وهو الفكر الذي يميل الى تكفير الاخرين، والى اسقاط الاحكام العامة، بشكل غير عقلاني، في توجيه الإدانة الى العالم المسلم بكل ظواهره، مستندا في ذلك على بعض نصوص القرآن والحديث، واستغلالها في غير موضعها التي قيلت فيه، على غير ما فهمها وعمل بها المسلمون الأوائل من الصحابة وتابعيهم، فعارضوا بفكرهم هذا عموم امة الاسلام وسقطو في التكلف والشذوذ والغلو، سواء كان ذلك على الصعيد الفكري أو على صعيد الممارسة.

وقد يكون من أكثر تلك المفاهيم خطورة، والتي وضعوها في غير موضعها، فتسبب، لذلك، في العديد من الفتن والبلاءات، هو مفهوم البراء والولاء، إذ وضعه المغالين، على غير حقيقته، موضع الشرط للايمان، ومناط الانتماء الى الى زمرة المسلمين، واعتبروا، وفقا له، كل من لم يعتنقه ويطبق، بحسب فهمهم الذي ينافي مقصود الشارع من تلك النصوص الكريمة. وانطلاقا من ذلك، وجب بحث هذا المفهوم ومعرفة واظهار أصله اللغوي، والمساقات الشرعية التي سيقت له، ووفق ما ورد في القرآن والحديث، وبحسب مفهوم سلف هذه الأمة له، ومن هذا المنظور اتت هذه المحاولة، ذلك أن مفهوم الولاء والبراء قائم على لفظ "ولي" في اللغة العربية الى مفهوم "الدنو" و"القرب"، وما يتصل بذلك من مفاهيم الصداقة والنصرة والمحبة. وذكر الراغب الاصفهاني: "ويستعمل ذلك في الاشارة للقرب المكاني والنسبي ، وكذلك القرب الديني، وفي النصرة والاعتقاد والصداقة. وأما اللفظ الآخر وهو "البراء" فيرجع اصله الى مادة "برأ"، وهي تشير، لغويًا، الى معنى المباعدة والتنزه والمفارقة. وفي هذا ذكر الراغب الأصفهاني: "أصل البراء والتبري والبرء: التقصي مما لا يُرغب في مجاورته". أما فيما يتعلق بالمعنى الاصطلاحي الشرعي، الذي قصده الكتاب والسنة، فلفظ "الولاء" يرجع مفهومه الى الى مفهوم قلبي إيماني في المقام الأول. وذلك هو أساسه وأصله الذي يعتمد عليه، وتتشعب منه الشعب. وذلك لان مفهوم الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، المقصود منه أنه تعاهد قائم على محبة المراد منها التعبد، يشير في الاساس إلى الإيمان بوحدانية الله من خلال الإخلاص له وعدم الشرك به في كل الامور، والى محبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من خلال نصرته وإجلاله وتوقيره، ومن ثم الى محبة المسلمين والمؤمنين، بتقوية رباط المحبة في الله بينهم، وتعزيز معاني التعاطف والتواد والتآزر في دين الله، وكل ذلك هو أصل التسامح والسلام الموجود مجتمع المسلمين.

WhatsApp
Telegram