يقول المولى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ، يقول القرطبي في تفسير هذه الآية : الأولى : قوله تعالى : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش هذا نعت للمحسنين ; أي هم لا يرتكبون كبائر الإثم وهو الشرك ; لأنه أكبر الآثام . وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي ( كبير ) على التوحيد وفسره ابن عباس بالشرك . والفواحش الزنى : وقال مقاتل : كبائر الإثم كل ذنب ختم بالنار والفواحش كل ذنب فيه الحد . وقد مضى في ( النساء ) القول في هذا .
أما اللمم وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه . وقد اختلف في معناها ; فقال أبو هريرة وابن عباس والشعبي : اللمم كل ما دون الزنى . وذكر مقاتل بن سليمان : أن هذه الآية نزلت في رجل كان يسمى نبهان التمار ; كان له حانوت يبيع فيه تمرا ، فجاءته امرأة تشتري منه تمرا فقال لها : إن داخل الدكان ما هو خير من هذا ، فلما دخلت راودها فأبت وانصرفت فندم نبهان ; فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع ; فقال : لعل زوجها غاز فنزلت هذه الآية ، وقد مضى في آخر ' هود ' وكذا قال ابن مسعود وأبو سعيد الخدري وحذيفة ومسروق : إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة . وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : زنى العينين النظر ، وزنى اليدين البطش ، وزنى الرجلين المشي ، وإنما يصدق ذلك أو يكذبه الفرج ; فإن تقدم كان زنى وإن تأخر كان لمما . وفي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة ، فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه . والمعنى : أن الفاحشة العظيمة والزنى التام الموجب للحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة هو في الفرج وغيره له حظ من الإثم .