تحيي منظمة الصحة النفسية اليوم السبت، اليوم العالمي للصحة النفسية 2020 تحت شعار 'التحرك من أجل الصحة النفسية : فلنستثمر فيها'، حيث يأتي هذا العام في وقت تغيرت فيه حياتنا اليومية تغيراً كبيراً نتيجة لجائحة كوفيد-19.
وقد جلبت الأشهر الماضية معها العديد من التحديات بالنسبة إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يقدمون الرعاية في ظروف صعبة ويذهبون إلى العمل وهم يخشون من حمل كوفيد-19 معهم عند عودتهم إلى المنزل؛ والطلاب الذين اضطروا إلى التكيف مع حضور الدروس في المنزل ، والتواصل بقدر محدود مع المعلمين والأصدقاء، وشعروا القلق على مستقبلهم؛ والعمال الذين تتعرض سبل عيشهم للخطر؛ والعدد الهائل من الأشخاص الذين وقعوا في براثن الفقر أو الذين يعيشون في بيئات إنسانية هشة ويفتقرون إلى الحماية من كوفيد-19؛ والأشخاص المصابين بالحالات الصحية النفسية ويعاني العديد منهم من العزلة الاجتماعية أكثر من ذي قبل، ناهيك عن هؤلاء الذين يواجهون الحزن على رحيل شخص عزيز لم يتمكنوا في بعض الأحيان من وداعه.
وقد أصبحت العواقب الاقتصادية المترتبة على هذه الجائحة محسوسة بالفعل، حيث سرحت الشركات موظفيها في محاولة لإنقاذ أعمالها، أو أغلقت أبوابها بالفعل. واستناداً إلى الخبرة المكتسبة من الطوارئ الماضية، يتوقع أن تزداد الحاجة إلى الدعم في مجال الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي زيادة كبيرة في الأشهر والسنوات المقبلة.
وأصبح الآن الاستثمار على الصعيدين الوطني والدولي في برامج الصحة النفسية، التي عانت بالفعل على مدى سنوات من النقص المزمن في التمويل، أكثر أهمية مما كان عليه في أي وقت مضى. ولهذا السبب فإن الهدف من حملة اليوم العالمي للصحة النفسية لهذا العام هو زيادة الاستثمار في الصحة النفسية.
وكشف تقرير منظمة الصحة العالمية ، إلي أن الصحة النفسية تعد من مجالات الصحة العمومية المهملة جداً. فهناك مليار شخص تقريباً يعانون من الاضطرابات النفسية، ويؤدي تعاطي الكحول على نحو ضار بحياة 3 ملايين شخص سنوياً، فيما يحصد الانتحار روح شخص واحد كل 40 ثانية. واليوم، يتأثر مليارات الأشخاص حول العالم بجائحة كوفيد-19 التي يتفاقم أثرها أيضا على صحة الناس النفسية.
غير أن هناك عدداً قليلاً نسبياً من الناس في أرجاء العالم كافة يتاح لهم سبيل الحصول على خدمات جيدة في مجال الصحة النفسية. ففي البلدان المنخفضة الدخل وتلك المتوسطة الدخل ، تزيد نسبة الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والعصبية وتلك الناجمة عن تعاطي المخدرات دون الحصول على أي علاج لحالتهم الصحية على 75%. وعلاوة على ذلك، لا تزال ممارسات الوصم والتمييز والتشريعات العقابية وانتهاكات حقوق الإنسان إزاء هذه الفئة من الناس مستشرية على نطاق واسع.
وفي حين كانت خدمات الرعاية الجيدة والميسورة التكلفة في مجال الصحة النفسية حول العالم محدودة أصلاً قبل اندلاع الجائحة، خصوصاً أثناء حالات الطوارئ الإنسانية والنزاعات، فإن جائحة كوفيد-19 أدت إلى تفاقم الوضع بسبب تعطيلها الصحية في شتى أنحاء العالم. ومن الأسباب الرئيسية التي تقف وراء ذلك انتشار العدوى وخطر انتشارها في مرافق إقامة المرضى الطويلة الأجل، مثل دور الرعاية ومؤسسات الطب النفسي؛ والعقبات التي تحول دون ملاقاة الناس وجهاً لوجه؛ وإصابة موظفي الصحة النفسية بعدوى الفيروس؛ وإغلاق مرافق الصحة النفسية لتحويلها إلى مرافق لرعاية المصابين بمرض كوفيد-19.
لهذا السبب، حشدت المنظمة صفوفها مع المنظمات الشريكة ومنظمة متحدين من أجل الصحة النفسية العالمية والاتحاد العالمي للصحة النفسية، من أجل الدعوة إلى إحداث زيادة كبيرة في الاستثمارات الموجهة لقطاع الصحة النفسية. وقد أشار الدكتور 'تيدروس أدهانوم غيبريسوس' المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، إلي أن اليوم العالمي للصحة النفسية فرصة سانحة أمام العالم لكي يوحد صفوفه ويشرع في معالجة الإهمال الذي ما فتئت تعاني منها الصحة النفسية. وقد بدأنا نشهد فعلاً العواقب التي تخلفها جائحة كوفيد-19 على الصحة النفسية للناس، وهذه ليست سوى البداية. وإن لم نقطع حالاً التزامات جدية بزيادة الاستثمار في مجال الصحة النفسية، فإن العواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك ستكون بعيدة المدى. وأضاف أدهانوم غيبريسوس ، إلى أن منظمة الصحة العالمية قد تعاونت مع شركائها خلال الأشهر القليلة الماضية لإصدار الإرشادات وإسداء المشورة بشأن الصحة النفسية إلى العاملين الصحيين وغيرهم من العاملين في الخطوط الأمامية ومديري المرافق الصحية والأشخاص من جميع الأعمار ممن تسببت الجائحة في تغيير مجرى حياتهم بشكل كبير. وتواصل البلدان في ظل تعطل الخدمات الصحية سعيها إلى إيجاد سبل مبتكرة لتقديم خدمات الرعاية الصحية النفسية، وظهرت في هذا السياق مبادرات تعزز الدعم النفسي الاجتماعي. ولكن تظل معظم الاحتياجات من الصحة النفسية غير ملباة بسبب فداحة المشكلة، حيث يعرقل الاستجابة في هذا المجال النقص المزمن في الاستثمارات الموظفة في مجال تعزيز الصحة النفسية والوقاية من اضطراباتها ورعاية المصابين بها على مدى سنوات عديدة سبقت اندلاع الجائحة.
وذكر تقرير المنظمة ، إلى أنه لا تتجاوز النسبة التي تنفقها البلدان في المتوسط من ميزانيتها الصحية على الصحة النفسية 2% . ورغم الزيادة الطفيفة التي طرأت في السنوات الأخيرة على حصة المساعدات الإنمائية الدولية المقدمة في مجال الصحة النفسية، فإن نسبتها لم تتجاوز قط 1% من إجمالي المساعدات الإنمائية المقدمة في مجال الصحة. ويتناقض ذلك مع الحقيقة القائلة إن كل دولار أمريكي يستثمر في تعزيز علاج الاضطرابات النفسية الشائعة مثل الاكتئاب والقلق، يحقق عائداً قدره 5 دولارات أمريكية في مجال تحسين الصحة والإنتاجية.
ومن جهتها، قالت الدكتورة 'إنغريد دانييلز' رئيسة الاتحاد العالمي للصحة النفسية، لقد مر الآن 30 عاماً تقريباً منذ أطلق الاتحاد العالمي للصحة النفسية أول يوم عالمي للصحة النفسية. وقد شهدنا خلال هذه الفترة انفتاحاً متزايداً في التحدث عن الصحة النفسية في العديد من بلدان العالم. ولكن علينا الآن أن ندعم الأقوال بالأفعال.
ويلزم أن نشهد بذل جهود متضافرة لإنشاء نظم للصحة النفسية تناسب وترعى عالم اليوم والغد. أما السيدة 'إليشا لندن' مؤسسة منظمة متحدين من أجل الصحة النفسية العالمية ومديرتها التننفيذية، فقد قالت إلي أنه يلزم الآن الاستثمار في مجال الصحة النفسية أكثر من أي وقت مضى في ظل افتقار الكثير من الناس إلى سبل الحصول على خدمات الصحة النفسية الجيدة والمناسبة. وبمقدور الجميع في كل مكان أن يشاركوا في حملة هذا العام.
وسواء كنتم ممن يعانون من اضطرابات الصحة النفسية أم تعرفون أشخاصاً يعانون منها أم كنتم من خبراء الصحة النفسية أم من المؤمنين ببساطة بأن الاستثمار في مجال الصحة النفسية هو الفعل الصائب الذي يتعين القيام به، فإن عليكم أن تتحركوا من أجل دعم الصحة النفسية والمساعدة في إتاحة الرعاية والدعم في مجال الصحة النفسية للجميع.