الصحة العالمية تحذر من انهيار وشيك للنظام الصحي في غزة مع تصاعد حدة الأعمال العدائية
قالت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، إن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة يهدد نظامًا صحيًا منهكًا بالأساس يوشك على الانهيار، بينما تتفاقم أزمة النزوح الجماعي للسكان، والنقص الحاد في الغذاء والمياه والإمدادات الطبية والوقود والمأوى.
وأكدت بلخي خلال كلمتها في اجتماع جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعين حول الأوضاع في غزة، أن هناك 4 مستشفيات رئيسية في غزة – هي مستشفى كمال عدوان، والمستشفى الإندونيسي، ومستشفى حمد للتأهيل والأطراف الاصطناعية، ومستشفى غزة الأوروبي – اضطرت إلى تعليق خدماتها الطبية خلال الأسبوع الماضي بسبب قربها من مناطق الاشتباكات أو مناطق الإخلاء، إضافة إلى تعرضها للهجمات.
وأضافت بلخي أن المنظمة سجلت 28 هجومًا على الرعاية الصحية في غزة خلال الآونة الأخيرة، ليصل إجمالي عدد الهجمات منذ أكتوبر 2023 إلى 697 هجومًا.
وأوضحت المديرة الإقليمية أنه ومن أصل 36 مستشفى في قطاع غزة، فإن 19 مستشفى فقط لا تزال عاملة، ومنها مستشفى واحد يقدم الرعاية الأساسية للمرضى الذين لا يزالون داخله، وحتى هذه المستشفيات تعاني نقصًا حادًا في الإمدادات، وعجزًا في أعداد العاملين الصحيين، وانعدامًا ممتدًا للأمن، وارتفاعًا سريعًا كبيرًا في عدد الإصابات.
وتابعت: "وفي مقابل كل ذلك، تعمل الفرق الطبية وتبذل قصارى جهدها في ظروف مستحيلة، فمن بين المستشفيات التسعة عشر المشار إليها، هناك مستشفى واحد فقط يقدم مجموعة من الخدمات الصحية، في حين يقتصر عمل البقية على توفير خدمات الطوارئ الأساسية فقط".
وذكرت أن التقديرات تشير إلى أن ما لا يقل عن 94% من جميع مستشفيات قطاع غزة قد تضررت أو دُمرت، وأن تصاعد الأعمال العدائية وإصدار أوامر الإخلاء الجديدة في شمال وجنوب غزة خلال اليومين الماضيين يهدد بإخراج المزيد من المرافق الصحية عن الخدمة، ويشمل ذلك مستشفى واحدًا، و11 مركزًا للرعاية الأولية، و13 نقطة طبية تقع ضمن مناطق الإخلاء، بالإضافة إلى 5 مستشفيات، ومستشفى ميداني واحد، و9 مراكز للرعاية الأولية، و23 نقطة طبية تقع على بُعد 1000 متر من تلك المناطق.
وتابعت: "لقد جرد شمال غزة من جميع خدمات الرعاية الصحية تقريبًا، وأما مستشفى العودة فيعمل فقط بالحد الأدنى، ويقتصر دوره حاليًا على أن يكون نقطة إسعاف لذوي الإصابات الشديدة، وحتى هذا المستشفى يتهدده خطر الإغلاق الوشيك بسبب استمرار انعدام الأمن وتقييد إمكانية الوصول".
وأشارت بلخي إلى أن التقارير أفادت بتعرض الطابق الثالث من المستشفى لهجوم يوم الأربعاء، ما أسفر عن إصابة أحد أفراد الطاقم الطبي، ولقد تسببت الأعمال العدائية في المنطقة في إلحاق أضرار بخزان المياه وخط الأنابيب، ومما يؤسف له أن المستشفى تعرض لهجوم جديد اليوم، وبحسب التقارير، فقد تضرر الطابقان الثالث والرابع في الهجوم، ما أسفر عن إصابة اثنين من العاملين الصحيين.
وقالت بلخي إن النيران اندلعت في خيام فرز المرضى، ومنها الخيمة التي وفرتها منظمة الصحة العالمية، ما أدى إلى احتراق جميع الإمدادات الطبية المخزنة في المستودع وتدمير المركبات الموجودة في الطابق السفلي، علاوة على ذلك، فقد تم إعاقة بعثة تابعة لمنظمة الصحة العالمية كانت تحاول الوصول إلى المستشفى، وقد خرج المستشفى الإندونيسي عن الخدمة بسبب استمرار الوجود العسكري فيه منذ 18 مايو، مما جعل الوصول إليه غير ممكن، واضطرت بعثة تابعة للمنظمة إلى إلغاء زيارتها للمستشفى يوم أمس بسبب الوضع الأمني، وذلك بعد انتظار دام قرابة 4 ساعات للحصول على تصريح بالمضي قدمًا.
وذكرت المديرة الإقليمية أن فريق منظمة الصحة العالمية كان يخطط لإيصال غذاء ومياه إلى المرضى، وتقييم أوضاعهم الصحية، وتحديد الأجهزة الطبية الحيوية التي يمكن نقلها، وحاولت المنظمة الوصول إلى المستشفى مرة أخرى اليوم، ولكن البعثة أُعيق عملها مجددا.
وقالت الدكتورة حنان بلخي إنه بالنسبة إلى مستشفى كمال عدوان، فقد كان يضم المركز الوحيد لعلاج حالات سوء التغذية الحاد الوخيم في شمال غزة، ولكن المستشفى خرج عن الخدمة في 20 مايو، وذلك بعد اشتداد الأعمال العدائية في محيطه، ما اضطر المرضى إلى الإخلاء أو مغادرة المستشفى قبل استكمال علاجهم.
وتابعت أنه في جنوب غزة، تعاني مستشفيات مجمع ناصر الطبي، ومستشفى الأمل، ومستشفى الأقصى ضغطًا هائلًا نتيجة تزايد أعداد الجرحى، وقد تفاقم الوضع بسبب موجة نزوح جديدة إلى دير البلح وخان يونس، ولا يزال مستشفى غزة الأوروبي خارج الخدمة منذ تعرضه لهجوم في 13 مايو، ما أدى إلى توقف خدمات حيوية مثل جراحة الأعصاب، ورعاية أمراض القلب، وعلاج السرطان – وكلها خدمات غير متوفرة في أي مكان آخر في غزة.
وأكدت بلخي أنه في الوقت الحالي، لا يتوفر في جميع أنحاء قطاع غزة سوى 2000 سرير في المستشفيات، في حين يبلغ عدد سكان القطاع أكثر من مليوني نسمة، لذا فإن هناك عجزًا صارخًا في عدد الأسرَّة مقارنة بالاحتياجات الحالية، وحتى مع هذا العدد المحدود من الأسرَّة، فإنه ثمة خطر بفقدان ما لا يقل عن 40 سريرًا لوقوعها في مستشفيات داخل مناطق الإخلاء التي أعلن عنها مؤخرًا، وقد يفقد 850 سريرًا إضافيًا إذا تدهورت الأوضاع في المرافق الصحية القريبة من تلك المناطق.
وأشارت بلخي إلى أن الأعمال العدائية المستمرة والوجود العسكري يعيقان حصول المرضى على الرعاية، ويمنعان العاملين الصحيين من تقديم الخدمات، ويعطلان جهود المنظمة وشركائها في إعادة تزويد المستشفيات بالإمدادات اللازمة، "إن كل خروج جبري لمستشفى عن الخدمة يحرم المرضى من الوصول إلى الرعاية الصحية، ويقوض جهود المنظمة وشركائها في دعم النظام الصحي في غزة والإبقاء عليه".