برلين – على الرغم من تصاعد حدة التوترات الأمنية في أوروبا الشرقية، قلل كبار المسؤولين العسكريين الألمان من احتمالية قيام روسيا بشن هجوم عسكري على دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحت غطاء مناورات "زاباد 2025" العسكرية. يأتي هذا الموقف في ظل مخاوف متزايدة لدى دول مجاورة لروسيا وبيلاروسيا من أن تكون هذه المناورات ستارًا لعمليات عسكرية حقيقية، خاصة بعد أن استخدمتها موسكو كغطاء لحشد قواتها قبل غزو أوكرانيا عام 2022.
تحليل ألماني متفائل بحذر
في تحليل عسكري، أكد المفتش العام للجيش الألماني، كارستن بروير، أنه لا توجد مؤشرات حالية على أن روسيا تستعد لشن هجوم على أراضي الناتو. وأشار بروير إلى أن الجيش الألماني وحلف الناتو سيظلون في حالة تأهب قصوى، لكنه أضاف أن المناورات التي ستبدأ في غضون أسبوعين لا تحمل في طياتها نية هجومية فورية. هذا التصريح، وإن كان مطمئنًا، إلا أنه يعكس استراتيجية الردع التي يتبناها الحلف، حيث أصبحت الشفافية في نوايا الحلفاء العسكرية أمرًا حاسمًا في مواجهة التهديدات المحتملة.
مناورات متزامنة في شرق وغرب أوروبا
يُعتبر توقيت مناورات "زاباد 2025" أمرًا بالغ الأهمية، إذ ستتزامن جزئيًا مع مناورات "كوادريجا" التي تجريها ألمانيا بالتعاون مع 13 دولة أخرى. هذه المناورات، التي يشارك فيها أكثر من 8 آلاف جندي، تهدف إلى التدريب على نشر القوات والأسلحة في منطقة بحر البلطيق، خاصة في ليتوانيا، التي تُعد نقطة استراتيجية حساسة. وتكمن أهمية ليتوانيا في موقعها الجغرافي، حيث تفصلها عن باقي دول الناتو "فجوة سوالكي" الضيقة، مما يجعلها عرضة للتهديدات المحتملة.
ووفقًا لبروير، فإن الهدف الرئيسي من مناورات "كوادريجا" هو الردع لا التصعيد، حيث شدد على أنها "دفاعية بحتة". هذا التزامن في المناورات يعكس استراتيجية متقنة من قبل الناتو لإظهار قوته الدفاعية والاستعداد لأي سيناريو، مع إرسال رسالة واضحة إلى موسكو بأن أي تحرك متهور سيُقابل برد جماعي.
مخاوف تاريخية وتصريحات متضاربة
وعلى الرغم من التطمينات الألمانية، فإن المخاوف الأوكرانية ما زالت قائمة. فقد حذرت وزارة الخارجية الأوكرانية جارتها بيلاروسيا من "الاستفزازات المتهورة"، مشيرة إلى أن حشد القوات الروسية في عامي 2021 و2022 كان تحت غطاء مناورات "زاباد". هذا التاريخ الحديث من التضليل يبرر حذر الدول المجاورة، ويجعل كل مناورة روسية موضع شك.
في المقابل، وصف رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، هذه المخاوف بأنها "محض هراء"، مؤكدًا أن بلاده لن تستغل المناورات لمهاجمة جيرانها. ومع ذلك، فإن تصريحات وزير الدفاع البيلاروسي حول أن المناورات ستشمل التدريب على استخدام الأسلحة النووية وصاروخ "أوريشنيك" الفرط صوتي، تثير المزيد من القلق وتزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
تقييم عسكري واستراتيجي
يُظهر هذا المشهد العسكري المتشابك أن أوروبا الشرقية ما زالت في حالة تأهب قصوى. فبينما تحاول ألمانيا وبعض دول الناتو التقليل من حجم التهديد المباشر، فإنهم في الوقت نفسه يعززون قدراتهم الدفاعية بشكل غير مسبوق. إن مناورات "زاباد" الروسية، التي يُتوقع أن يشارك فيها 13 ألف جندي في بيلاروسيا و30 ألفًا في روسيا، تُعد اختبارًا لقدرات الردع الغربية.
في حال اندلاع أي صراع، ستكون ألمانيا بمثابة مركز إمداد ولوجستيات رئيسي لقوات الناتو، مما يجعلها هدفًا استراتيجيًا محتملاً. لهذا السبب، تولي القوات الألمانية أهمية قصوى لحماية موانئها وقواعدها العسكرية، مثل بريمرهافن وروستوك، لضمان استمرارية الدعم اللوجستي للحلف.