أصدرت دراسة حديثة تحليلًا للتحول الكبير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، كما يعكسه إطار استراتيجية الأمن القومي لعام 2025، معتبرة هذا التحول الأهم منذ حرب العراق.
وأوضح التحليل أن الإطار الجديد يهدف إلى إعادة توجيه الموارد نحو التنافس بين القوى العظمى، مع التركيز على تقليل التكاليف وتقاسم الأعباء مع الشركاء الإقليميين، دون التخلي عن المصالح الأساسية للولايات المتحدة، والتي تشمل أمن الطاقة، وحماية حرية الملاحة في مضيق هرمز والبحر الأحمر، ومواجهة التهديد الإيراني، وضمان أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر اتفاقيات أبراهام.
وأشار التحليل إلى أن النهج الأمريكي السابق، القائم على نشر الديمقراطية في المنطقة منذ احتجاجات عام 2011، فشل في تحقيق أهدافه، إذ تذبذبت واشنطن بين دعم الحركات الشعبية ومجاملة الأنظمة القائمة، ما أدى إلى ضعف مصداقيتها لدى مختلف الأطراف، وخلق فراغ استغلته إيران لتعزيز نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتطوير قدرات حزب الله العسكرية، وتحويل الحوثيين في اليمن إلى منصة للضغط الإقليمي، بما يشمل استهداف طرق التجارة البحرية الحيوية.
وفي المقابل، استغلت الصين الفراغ ذاته بطريقة مختلفة، إذ قدمت نفسها كشريك غير أيديولوجي يركز على السيادة والاستقرار والتنمية الاقتصادية دون فرض شروط سياسية، ما جعلها بديلاً موثوقًا للحكومات الإقليمية التي شعرت بخيبة أمل من السياسات الأمريكية. كما توسع النفوذ الصيني عبر شراء النفط الإيراني، والمشاركة في مصافي النفط ومشاريع الغاز الطبيعي، وتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" في الموانئ والمراكز اللوجستية، إضافة إلى تطوير شبكات الجيل الخامس وأنظمة المراقبة الرقمية.
وأبرز التحليل أن تلاقي المصالح الصينية والإيرانية شكل محورًا متصاعدًا يضعف الاستراتيجية الأمريكية، إذ توفر الصين دعمًا اقتصاديًا وتكنولوجيًا لطهران، في حين تمارس إيران ضغطًا استراتيجيًا يخدم مصالح الطرفين، ما مكنها من مواصلة تعزيز ترسانتها العسكرية رغم العقوبات.
كما أشار التحليل إلى أن الطاقة والجغرافيا وطبيعة النظام الإقليمي بعد الربيع العربي تمثل عوامل حاسمة في هذا التحول، إذ يظل الشرق الأوسط مركزًا لتجارة الطاقة العالمية، ويشكل حلقة وصل استراتيجية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، بينما ساهمت اتفاقيات أبراهام في تعزيز التعاون الدفاعي والاستخباراتي بين دولة الاحتلال ودول الخليج، ما يساعد واشنطن على مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد.
وأكد التحليل أن إدارة واشنطن لهذا التوتر، لا سيما في سوريا حيث خلق سقوط الأسد فراغًا سياسيًا، ستكون حاسمة في منع تمدد النفوذ الإيراني أو اندلاع صراعات جديدة، وأن نجاح استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 مرتبط بقدرة الولايات المتحدة على الاستثمار في شركائها الإقليميين والمنافسة بواقعية، مع الاعتراف بأن الشرق الأوسط أصبح أحد ساحات التنافس الرئيسية بين القوى العظمى، وليس مجرد هامش في السياسة الدولية.