ads
ads

وثائق وشهادات سرية تكشف منظومة إخفاء جرائم نظام الأسد: تزوير سجلات تلفيق اعترافات ونقل مقابر جماعية

بشار الأسد
بشار الأسد

كشف تحقيق موسع، استند إلى آلاف الوثائق السرية وشهادات عشرات المسؤولين والعاملين السابقين، تفاصيل غير مسبوقة عن خطط ممنهجة اعتمدها نظام بشار الأسد لإخفاء آثار جرائم واسعة النطاق ارتُكبت داخل السجون ومقار الأجهزة الأمنية، شملت التلاعب بالسجلات الرسمية، وتلفيق اعترافات لمعتقلين توفوا تحت التعذيب، وصولًا إلى نقل المقابر الجماعية من مواقعها الأصلية.

وبحسب الشهادات، عقد كبار قادة الأجهزة الأمنية اجتماعًا في القصر الرئاسي بدمشق خلال خريف سنة 2018، في وقت كانت فيه التسريبات عن المقابر الجماعية ومراكز التعذيب تتزايد، لمناقشة سبل “تحسين” التستر على الانتهاكات ومنع وصول الأدلة إلى جهات دولية. وشارك في الاجتماع مسؤولون بارزون في المنظومة الأمنية، وسط خلافات داخلية حول أفضل طرق طمس الأدلة، وما إذا كان ينبغي توحيد الإجراءات بين مختلف الفروع. وخلال الاجتماع، طُرح اقتراح بمحو هويات المعتقلين الذين لقوا حتفهم داخل السجون السرية من السجلات الرسمية، بما يضمن عدم وجود أي أثر ورقي يمكن تتبعه لاحقًا. وجرى الاتفاق على دراسة الاقتراح، قبل أن تبدأ الأجهزة الأمنية فعليًا، بعد شهور قليلة، تنفيذ خطوات عملية للتلاعب بالأدلة.

تزوير الوثائق وتلفيق الاعترافات

تشير الوثائق إلى أن فروعًا أمنية عدة عمدت إلى تزوير سجلات الوفاة، عبر حذف أرقام الفروع الأمنية أو أرقام تعريف المعتقلين، بما يمنع ربط الوفاة بمكان الاحتجاز. كما صدرت أوامر بتلفيق اعترافات مكتوبة لمعتقلين توفوا أثناء الاحتجاز، واعتُبر وجود هذه الاعترافات غطاءً قانونيًا محتملًا يبرر الوفاة بزعم “الإدانة” أو “الانتماء لتنظيمات إرهابية”. وفي بعض الحالات، جرى التلاعب بالبصمات، إذ استُخدم حبر خفيف جدًا لبصمات مزعومة، ثم صُورت الوثائق وأُتلفت النسخ الأصلية، تفاديًا لأي تدقيق لاحق.

سجلات دقيقة انقلبت إلى عبء

مع بدايات الحرب في سنة 2011، احتفظت الأجهزة الأمنية بسجلات شديدة الدقة لكل ما يجري داخل المعتقلات: الاستجوابات، الوفيات، وحتى تصوير الجثث. لكن هذا التوثيق تحول لاحقًا إلى عبء ثقيل، خاصة بعد تسريب آلاف الصور لجثث معتقلين تحمل آثار تعذيب، ما فتح الباب أمام تحركات قانونية وضغوط دولية وعقوبات اقتصادية طالت النظام. وفي يناير 2014، مثّل تسريب صور آلاف الجثث نقطة تحول، إذ باتت الأدلة المرئية عنصر إدانة يصعب إنكاره. وبعدها بشهور، ناقش مسؤولون عسكريون وأمنيون وقانونيون كيفية مواجهة التداعيات، وخلصوا إلى استراتيجية تقوم على التشكيك في مصداقية الصور ومسرّبها، وتجنب الدخول في تفاصيل الوقائع.

إخفاء المقابر الجماعية

تُعد المقابر الجماعية من أخطر الأدلة التي سعى النظام لإخفائها. وتشير الشهادات إلى أن عمليات دفن الجثث في محيط دمشق كانت تتم بإشراف ضباط محددين، وأنه بعد انكشاف أحد مواقع المقابر في القطيفة شمال دمشق مطلع سنة 2019، صدرت أوامر بنبش الجثث ونقلها إلى مواقع جديدة في صحراء الضمير شمال شرق العاصمة. واستمرت عمليات النقل قرابة عامين، نُقلت خلالها الجثث بشاحنات، وسط إجراءات أمنية مشددة. ووصف شهود عيان مشاهد مروعة لجثث مدنيين وعسكريين، وأشخاص مسنين، وبعضهم بلا ملابس، تُلقى في حفر جديدة باستخدام الجرافات، تحت تهديد مباشر لكل من قد يفكر في الكلام.

محاولات الالتفاف على الضغوط الدولية

مع صدور عقوبات دولية مشددة في سنة 2019، خشي مسؤولو النظام من أن يؤدي أي انفتاح دبلوماسي أو عودة علاقات خارجية إلى فتح ملفات الجرائم. لذلك، جرى بحث تسجيل وفيات المعتقلين في السجل المدني بزعم إخطار العائلات، قبل أن يُتراجع عن الفكرة خوفًا من إثارة غضب شعبي أو استغلال القوائم للضغط السياسي. وفي يونيو 2020، شُكلت لجنة أمنية خاصة لدراسة “أنسب” السبل لإغلاق الملفات، وانتهت إلى توجيهات بمواصلة تلفيق الاعترافات وإخفاء تفاصيل الوفاة.

معاناة مستمرة بلا إجابات

تُظهر هذه الوثائق والشهادات صورة شاملة لمنظومة إخفاء ممنهجة هدفت إلى الإفلات من المساءلة عن واحدة من أوسع حملات القمع في العصر الحديث. ووفق تقديرات أممية، اختفى أكثر من 100 ألف شخص خلال سنوات حكم الأسد، في جرح لا يزال مفتوحًا لدى آلاف العائلات التي تبحث عن مصير أبنائها.

ورغم إدانة عدد محدود من المسؤولين ذوي الرتب الدنيا في محاكم أوروبية، وإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين كبار، فإن تشويه الأدلة وتزوير الوثائق لا يزال يعقّد ملاحقة المتورطين الرئيسيين. وفي ديسمبر 2024، انهار النظام بشكل مفاجئ، ودخلت قوات معارضة دمشق، فيما فرّ الأسد وكبار معاونيه إلى الخارج. ومع ذلك، لا تزال ملفات الجرائم، والمقابر، والمفقودين شاهدة على محاولة منظمة لدفن الحقيقة، قبل دفن الضحايا.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً