كان شابا صغيرا يدرس فى أحد المعاهد الدينية، وراح يعلم أبناء الحى الفقير الذى يسكن فيه ما يتعلمه من أمور الدين فى مسجد صغير بالحى، وكان الناس البسطاء يعجبهم حديثه وما يلقيه عليهم من أمور لم يعرفوها من قبل، حتى اشتهر في الحى بلقب الشيخ.
فى فترة قصيرة ذاع صيته وقادته الظروف عن طريق بعض المعارف والأصدقاء إلى أن يقدم أحد البرامج الدينية فى محطة من محطات الراديو وهو بالكاد كان قد أنهى دراسته بالمعهد الدينى بتقدير جيد.
جلس الشيخ فى أحد الأيام يلقى الدرس كالعادة على المستمعين فى برنامجه ويتلقى اتصالاتهم ورسائلهم بجد وحماسة، ثم أتته رسالة على الرسائل الخاصة من سيدة تخبره أنها تريد أن تتحدث معه هاتفيا لتأخذ رأيه الفقهى فى أمر لا تستطيع كتابته على الملأ، وكان هذا يحدث معه أحيانا، فبعض الناس ممن يعرفون رقم تليفونه الشخصى قد خصص لهم وقتا للسؤال عبر الهاتف.
أرسل لها رقم الهاتف وحدد لها موعد الاتصال ما بين التاسعة إلى العاشرة مساء.
فى تمام التاسعة مساء فى نفس اليوم رن جرس التليفون، أجاب الشيخ، وكانت سيدة عرفته بنفسها وأن اسمها نوال، تعيش فى القاهرة، وبعد أن رحب بها بدأت فى سرد مشكلتها أو قصتها والتى لم تكن طويلة، فهى من عائلة كبيرة مطلقة وطليقها كان يسيء معاملتها حتى حدث الطلاق، والآن يهاتفها ويريد العودة إليها وهى مترددة، فكلما تذكرت سوء معاملته لها ترفض فكرة الرجوع إليه، وفى نفس الوقت تشعر ببعض الحنين لعلاقتهما وتتحدث معه عبر الهاتف وهو يريد مقابلتها خارج المنزل بعيدا عن العائلة ليتفاهما سويا ولا تدرى ماذا تفعل؟.
أجابها الشيخ أن هذا الأمر فى الحقيقة يرجع إليها، فهى التى يجب أن تقرر وتحزم الأمر، إما بالرجوع إليه ويكون ذلك بأن يأتى إلى عائلتها ويطلب ذلك بشكل شرعى ورسمى، وإما أن تنهى المسألة ولا تتحدث معه أو تقابله، وتنشغل بحياتها ومستقبلها وتتقرب من ربها، ثم دعى لها.
فأجابته فى نهاية المكالمة قائلة: شكرا لك سيدى فالكلام معك ومجرد سماع صوتك يريحنى، اسمح لى أن أقول لك إنى أحبك كثيرا وأحب سماع برنامجك كل يوم.
أحس الشيخ بالإحراج من كلامها فشكرها، وانتهت المكالمة.
لكن الشيخ بعد ذلك وجد كلام هذه السيدة فى نهاية المكالمة يتردد فى أذنه مراراً و تكراراً، وكانت نبرة صوتها قد اخترقت نفسه.
طرد هذا الهاجس وراح يقرأ كعادته قبل النوم.
استيقظ فى الفجر بعد نوم متقطع فتذكر مرة أخرى نغمة كلام السيدة نوال معه فى نهاية المكالمة: صوتك يريحنى أحبك كثيرا وأحب سماع برنامجك، وكأن نبرة صوتها قد سحرته.
فى حلقة جديدة جلس يلقى درسه ويتابع رسائل المستمعين لكنه وجد نفسه يبحث وسط الرسائل عن اسمها بفضول وتطلع فلم يجده، نسى الأمر وتابع برنامجه لكنه ظل بين الحين والآخر يتذكر نبرة صوتها وكلامها.
فى المساء ظل يحدث نفسه عن هذه السيدة وعن مشكلتها وشعوره بالعطف عليها، فما كان منه إلا أن شغف بالاتصال بها والاطمئنان عليها، فأعاد الاتصال برقمها الموجود على الهاتف وسمع صوتها على الطرف الآخر، ولاحظ كم السعادة التى بدت على صوتها وحصولها على شرف اتصاله بها.
أخبرها أنه يريد الاطمئنان عليها وماذا فعلت فى مشكلتها، فراحت تحدثه أكثر عن نفسها وعن حياتها، وهو يستمع إليها مستمتعا بحديثها وصوتها الأخاذ ويجيبها بردود محافظة لا يتخطى فيها دوره كرجل دين.
طال الحديث بينهما وهو لا يشعر، وتكررت المكالمات بينهما منذ ذلك الحين كثيرا يوما بعد يوم.
تبدل حال الرجل وأصبحت هذه السيدة تشغل كل تفكيره، لم يعرف ماذا حدث له منذ أول مكالمة لها وكلامها الذى كان يتردد على مسامعه، أصبح يضيع وقتا كبيرا فى الحديث مع هذه السيدة، فى العلم تارة وفى الحياة الخاصة تارة أخرى.
فى النهاية طلبت أن تقابله وهو كان يريد ذلك أيضا، ولما كان لا يستطيع أن يقابلها فى أى مكان عام نظرا لمكانته وطبيعة عمله.. دعاها لتزوره فى منزله.