بعد التخرج من الجامعة حصلت على فرصة عمل فى إحدى الشركات الخاصة الكبيرة فى مجال الطباعة، كان العمل فيها يجرى بشكل ممتاز جدا وتحقق نتائج وأرباحا جيدة.
من ضمن مميزات العمل فى الشركة كان يسمح للموظفين والعاملين بتناول المشروبات الساخنة من شاى وقهوة ونسكافيه ولبن مجانا، إلى جانب مميزات أخرى من زى رسمى، حيث يحق لكل موظف بدلتان فى العام، ومكافآت على الأداء وغير ذلك.
بعض الموظفين والعمال كانوا يسرفون كثيرا فى شرب الشاى والقهوة بشكل كبير يصل إلى تناول خمسة أو ستة أكواب فى اليوم الواحد.
لاحظ مدير الشركة أن مصروفات البوفية زادت كثيرا وأصبحت تشكل رقما كبيرا فى حساب مصروفات الشركة، نظرا للإقبال الشديد من الموظفين على تناول المشروبات المجانية، مما اضطره إلى اتخاذ قرار بتحديد عدد مشروب واحد مجانى لكل موظف، ثم انتهى الأمر بإلغاء المشروبات المجانية تماما.
هناك قاعدة تقول إن الحسنة تخص والسيئة تعم، عندما يفعل شخص عملا جيدا يعود نفعه على شخصه أولا وقد يعود على آخرين معه، لكن بالتأكيد لن يعود على الجميع، أما فى حالة عمله عملا سسئا فإنه يعم الجميع، لأن الشخص الذى يفعل الشر غالبا ما يفعله فى الخفاء فلا يتم التعرف عليه، حتى وإن تم التعرف على شخصه فإن الشبهة تكون قد أصابت الجميع، وهنا يصدر عقاب جماعى بالتشديد على الجميع.
فى المثال البسيط الذى قدمناه عن تصرف الموظفين تجاه المشروبات المجانية كان هناك موظفون ملتزمون يتناولون المشروبات عند الحاجة فقط، ولا يسرفون فى تناولها، ولكن تصرف واحد فقط من الموظفين كان كفيلا بإلغاء هذه المنحة المجانية.
فطبيعة المجتمعات أنها تكون وحدة واحدة أو جسدا واحدا، فإذا ظهر خلل فى عضو من أعضائه تأثر به جميع الأعضاء، لذا كانت الحاجة ملحة للحفاظ على النظام الذى يعمل به هذا الجسد وسلامة جميع أعضائه، ومعالجة الخطأ أولا بأول بطريقة ذاتية من المجتمع نفسه، فليس عيبا أن ننهى غيرنا عن الخطأ لأنه سيوقعنا جميعا فى هذا الخطأ ونتضرر بسببه.
ولهذه القضية بالتحديد شرعت القوانين، وجاءت الشرائع السماوية على لسان الرسل لزجر ومحاسبة من يضر بحياة المجتمعات والناس، وطلب من الناس كافة الإصلاح، وفى الحديث الشريف، عن النبى صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا ضرر ولا ضرار".