كما هو الحال في معبد الأقصر، الذي بُني بداخله مسجد أبو الحجاج الأقصري، على أطلال إحدى الكنائس، ليمثل رمزا جامعا لأصحاب العقائد وللعبادة في مصر، يحتوي معبد الكرنك أيضا عده كنائس أشهرها كنسية 'الاخ منو' التي بناها المصريون ممن اعتنقوا المسيحية بالتزامن مع الاضطهاد الروماني، وهو الأمر الذي ربما لا يعرفه الكثيرون لبعد الكنيسة عن مسار الزيارات.
وترصد 'أهل مصر' تفاصيل بناء كنيسة 'الاخ منو' داخل معبد الكرنك، والتي رُسمت نقوشها القبطية بألوان تتماشى مع ألوان معبد تحتمس الثالث.
يقول الدكتور الطيب غريب، مدير معابد الكرنك في الأقصر، إن أصل الكنسية معبد للملك تحتمس الثالث، أحد أشهر ملوك الحضارة المصرية القديمة، والذي شهد عصره مباني عديدة بالمنطقة المركزية للمعبد، ومنها مبنى حمل لقب 'الاخ منو' الذي يعني الأثر الجميل أو الأثر الخالب، والذي شيده رمزا لكثرة انتصارات 'الاخ منو' في الحروب والمعارك في شمال شرق مصر لتأمين حدود البلاد ضدد القبائل التي كانت تدخل البلاد في ذلك الوقت.
كنيسة معبد الكرنك
وأضاف غريب، في تصريحات خاصة لـ'أهل مصر'، أن معبد 'الاخ منو' يقع في الجزء الأخير من معابد الكرنك خلف قدس الأقداس، ويتميز بطراز فريد للأعمدة مختلف عن زهرة البردي واللوتس والنخيل المعتادة في الأعمدة قديمًا، كما يتميز بعمود يطلق عليه علماء الآثار 'عمود وتد الخيمة' لكنه مقلوب السن من أعلى والساق من أسفل، ويعتقد بعض الأثريين أن المعارك التي خاضها الملك في عصر الأسرة الـ16 أثناء الحملة العسكرية على البلاد، وإقامته في الخيام لفترات طويلة، إضافة إلى رحلات الصيد جعلته يستشف ذلك الطراز.
وتابع: يتميز مبنى 'الاخ منو' بالعودة إلى عبادة الشمس لوجود مقصورة الشمس المشرقة التي تقع في الجزء البحري أو الشمالي للفناء، وتتميز بأن لها طاقة تتجه إلى شرق الكرنك وهو مكان شروق الشمس، هذا إلى جانب أن المبنى يتميز بـ'حديقة النباتات' وهي أشهر الحدائق التي شيدها الملك تحتمس الثالث، الموجودة في الجزء الأخير الجنوبي من 'الاخ منو'، وسجل بها صور الحيوانات والطيور والنباتات النادرة التي كان يجلبها من حملاته العسكرية خارج مصر.
كنيسة معبد الكرنك
وأوضح مدير معابد الكرنك بالأقصر، أن القرن الرابع الميلادي الذي شهد الاضطهاد الرومانى للمسيحيين، دفع المسيحيين للذهاب إلى الأماكن الأثرية المهجورة للاختباء بداخلها خوفا من الرومان، ومن ثم كانت الأماكن الأثرية مأوى لهم.
وتابع: بدأ المسيحيون في تشييد الكنائس والأديرة لممارسة عقائدهم بعيدا عن الرومان، ويوجد أكثر من كنيسة في عدة أماكن بالمعبد، إلا أن 'الأخ منو' أشهرها على الإطلاق، بعد إعادة استخدام المبنى للديانة المسيحية، ولذلك فأغلب الأعمدة الموجودة بالمبنى في الفناء الأول (18 عمودا، و32 عمودا)، بها مجموعة من الأيقونات التي تُمثل العقيدة المسيحية القديمة، نُقشت عليها صور للقديسين والقديسات تضفي مزيدا من الجمال والروعة، ومحتفظة بألوانها حتى الآن.
كنيسة معبد الكرنك
ويؤكد مدير معابد الكرنك: عند الجدار الشمالي كان هناك تمثال في غاية الجمال يجمع بين الملك تحتمس الثالث والإله أمون رع وشخص ثالث، لكنه حاليا متهشم، ويُعتقد أن المسيحيين الأوائل الذين سكنوا هذا المكان قاموا بتحوير التمثال، ليكون شبه 'الصليب' ويعود ذلك لأكثر من 1600 سنة، والممتع فيها أن الرسام لوّنها بطريقة جميلة تشبه النقوش والألوان الموجودة في مبنى 'الاخ منو'، وهي متماشية مع الفن المصري القديم، وكأن الرسام أراد أن لا يضيع شكل المكان بنقوش قبطية أوضح وأزهى من نقوش المعبد.
ويستكمل مدير معبد الكرنك في الأقصر، حديثة لـ'أهل مصر' قائلا: يوجد عدة أماكن بها أطلال كنائس، منها كنيسة في معبد خونسو، ويوجد مبنى كامل تم تحويره إلى كنيسة في العصور المسيحية في عصر الملك امنحوتب الثاني ابن الملك تحتمس الثالث، ويسمى ذلك المعبد بالكنيسة بسبب مجموعة من الصلبان الموجودة على بعض الأحجار التي توجد بذلك المبنى، بالإضافة إلى أماكن أخرى تصل إلى 6 أماكن بها أطلال كنيسة للعصر المسيحي الأول حتى نهاية القرن الرابع الميلادي عندما تم الاعتراف بالديانة المسيحية ديانه رسميه للبلاد.
كنيسة معبد الكرنك
ويختتم الدكتور الطيب غريب مدير معابد الكرنك بالأقصر، حديثة بأن مجموعة معابد الكرنك هي ملتقى الأديان، حيث جمعت بين المسيحية، والإسلامية نظرا لوجود ضريح الشيخ على ابن دقيق العيد، الموجود خارج معبد الكرنك في الجهة الجنوبية حتى الآن، إلى جانب العبادة التي كانت سائدة في عصر الفراعنة قديمًا.
كنيسة معبد الكرنك