يُسيطر الحزن على أفراد مئات الأسر القاطنين بمحافظة أسيوط، وبالأخص أهالي مركز أبنوب، وذلك عقب فقدانهم الأمل في التواصل مع أبنائهم الذين سلكوا طرق الهجرة غير الشرعية للسفر إلى إيطاليا طمعًا في تحقيق حلم الثراء السريع.
يقول علي عبد الظاهر، 60 عامًا، أحد أهالي مركز أبنوب بمحافظة أسيوط: إن الهجرة غير الشرعية لإيطاليا أصبحت حُلمًا لكل شباب المركز، وذلك بالرغم من موت المئات غرقًا في عرض البحر، أو انقطاع أخبارهم منذ سنوات، والسبب الرئيس الذي يدفع الشباب للقيام بهذه المغامرة هو مشاهدتهم أحد الناجين العائدين بالأموال، وهذا ما يضاعف رغبتهم في الهجرة.
بداية الرحلة
يضيف عبد الظاهر، أن الرغبة في الثراء السريع تجعل الشباب عرضةً للوقوع في شباك السماسرة والنصابين، مشيرًا إلى أن رحلة الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا وبالأخص إيطاليا بدأت في أسيوط منذ 30 عامًا، وبالتحديد في العام 1990م، عندما صعدت مصر إلى كأس العالم وكان يُلعب حينذاك في إيطاليا، وجائت مجموعتنا فى مدينة ميلانو الساحلية، حيث سافر الآلاف من المصريين لتشجيع المنتخب الوطني وكان ضمن المشجعين العشرات من شباب مركز أبنوب بأسيوط، وقد تخلف هؤلاء الشباب عن العودة عقب انتهاء فعاليات كأس العالم وأستقروا هناك، ونجحوا فى تكوين ثروات ضخمة، وأصبحوا مُلاك مطاعم، وبدأو منذ ذلك الحين في استقطاب الشباب الأسيوطي للسفر سواء عبر طرق رسمية، أو عبر الطرق غير الشرعية.
ويشير، إلى أن مدينة ميلانو الإيطالية تحولت إلى صورة كربونية من مركز أبنوب بأسيوط، بعد كثرة أعداد المهاجرين، وهو الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لـ«سماسرة الموت»، الذين كونوا ثروات طائلة من تجارة الهجرة غير المشروعة، فقد حددوا سعرًا يبدأ بـ 20 ألف جنيه لأي شاب يرغب في السفر، وكان هذا السعر حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وفي العام 2016 وصل إلى 70 ألف جنيه، وفي العام الحالي تضاعف إلى 200 ألف جنيه يدفعها أي شاب قبل أن يهاجر، بدون توفير أي فرصة عمل، أو حتى تأمين وصولهم إلى الأراضي الإيطالية؛ فالرحلة تنتهي قبل الوصول لشواطئ إيطاليا بعدة كيلو مترات حيث يتم رمي الشباب في البحر ويُطلب منهم السباحة حتى الوصول، وكثير منهم يلقون مصرعهم.
45 غريق
وخلال السنوات الماضية، شهد مركز أبنوب العديد من حوادث الغرق التي حصدت أرواح العشرات من الشباب الذين خرجوا عبر طرق غير شرعية متوجهين إلى إيطاليا، وكان أبرز هذه الحوادث ما وقع في العام 2009 حيث غرق 33 شابًا من أبناء المركز قبل وصولهم إلى الشواطئ الإيطالية، ولم تظهر جثثهم حتى الآن، وفي العام 2014 لقى 12 شابًا مصرعهم بعد أن غرق بهم مركب هجرة غير شرعية.
ويؤكد «محمد. س. ع»، أحد شباب مركز أبنوب، أنه حاول السفر إلى إيطاليا كثيرًا، بالرغم من علمه أن الرحلة ربما تكلفه حياته، ولكنه كان مصممًا أملًا في الخروج من دائرة الفقر التي يحيا فيها وتحقيق حلم الثراء السريع، وبالفعل اتفق مع أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية، ودفع إليه مبلغًا ماليًا؛ إلا أنه فشل في الهجرة، ومازال يحلم بالنجاح وتحقيق حلمه.