"ذبح، واختفاء، والموت عطشًا"، جميعها نهايات مأساوية راح ضحيتها عدد من أبناء محافظة المنيا، إثر خروجهم من وطنهم عبر هجرةٍ غير شرعية، دفع خلالها البعض الآلاف الجنيهات لـ"سماسرة الموت" من أجل تسهيل سفرهم ظنًا أن الثراء السريع ينتظرهم، بينما لجأ البعض الآخر ممن عجزوا عن تسديد قيمة "رحلة الموت" نقدًا إلى التنازل عن ممتلكاتهم: منازل، وأراضي زراعية، وغيرها، بعقود بيع للسماسرة، أملًا في استعادتها بمجرد وصولهم إلى البلد الذي يهاجرون إليه.
وقائعٌ مأساوية، جعلت "عروس الصعيد" تتصدر - على مدار العشر سنوات الماضية - قائمة ضحايا الهجرة الغير الشرعية في مصر، حيث تحتل المنيا المركز الأول للمهاجرين غير الشرعيين الذين تكون وجهة الغالبية منهم إلى الأراضي الليبية، وذلك بالرغم من موت قرابة الـ 50 مواطن من أبناء المحافظة بصحراء ليبيا أو "صحراء الموت" كما تُلقب.
وقائع مأساوية
ويُعد مركز سمالوط الواقع شمال محافظة المنيا، هو الأول من حيث كثرة أعداد أبنائه المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الليبية، ولم تتوقف موجات الهجرة من أبناء هذا المركز حتى الآن بالرغم من اختطاف تنظيم داعش الإرهابي لـ 21 قبطي مصري من أهالي قريتي: العور، والسوبي، وذبحهم في مشهد مأساوي، وهناك الكثيرون من الشباب الذين فُقدوا وبعضهم عاد إلي بلدته ولم يفصح عن أسباب أختفائه ويعيش في حالة نفسية سيئة، وآخرون مازالوا مفقودين حتى يومنا هذا.
ويأتي في المرتبة الثانية والثالثة من حيث كثرة أعداد المهاجرين غير الشرعيين من أبناء المنيا؛ مركزي ملوي وأبو قرقاص، حيث شهدا خلال السنوات العشر الماضية سفر الآلاف من الأهالي للعمل بالأراضي الليبية.
يقول بشار عبد الله، أحد العائدين من رحلة الهجرة غير الشرعية التي سلكها إلي الأراضي الليبية، واصفًا وقائع الرحلة: "كان عددنا قرابة 30 شابًا من محافظة المنيا، إضافة إلى آخرين من مختلف محافظات مصر لم أستطع حصر عددهم، وعقب الاتفاق مع السمسار بتأمين وصولنا إلي منطقة بني غازي الليبية للعملهناك، فوجئنا أن القائمين على الرحلة يتركونا داخل الصحراء الليبية، وهناك بدأنا في البحث عن مخرج من تلك الصحراء الواسعة، وفشلت كل طرق الوصول إلى منطقة آمنة، وقاومت ومعى ابن عمى وباقي المهاجرين وظللنا نسير وسط الصحراء حتي نفذ كل ما لدينا من طعام وشراب".
يضيف بشار: "عقب نفاذ الطعام والشراب، رأيت بعيني العديد من الشباب يموتون جوعًا وعطشًا؛ كانوا يتساقطون واحدًا تلو الآخر، وكنا نترك جثثهم في الصحراء ونواصل رحلتنا أملًا في النجاة، حتى مات ابن عمي وأوصاني وهو يلفظ أنفاسه أن احمل جثته إن تمكنت من العودة إلى مصر مجددًا وأدفنه في مقابر العائلة، وقمت بدفنه وسط رمال الصحراء الليبية ووضعت علامةً على مكان قبره، وكنت أنا الوحيد الذي تم انقاذه بعد أن توفي جميع المسافرين معي".
اختفاء غامض
وتؤكد وفاء هلال، والدة شابٌ يُدعى "حمزة"، أختفى في ظروف غامضة خلال رحلة هجرته غير الشرعية إلى الأراضي الليبية، أن نجلها فُقد منذ قرابة الثلاث سنوات، ومازالت تنتظر لحظة عودته، وضمه إلى صدرها؛ قائلةً: "نجلي سافر من قبل إلى ليبيا، وفي المرة الثانية خرج عبر طريق غير مشروع بعد أن أوهمه أحد السماسرة أنه وفر له فرصة عمل داخل أحد المساجد الليبية، وبالفعل سافر أملًا في توفير دخل يمكنه من الإنفاق علىّ أنا ووالده، ولكي يتمكن من بناء أوضة يتزوج فيها، وقد فوجئنا بإختفائه وحاولنا الاتصال عليه كثيرًا فلم يجيب؛ حتي قام أحد الأشخاص المجهولين بالرد علينا من هاتفه وطالبنا بعدم الإتصال علي الرقم مجددًا وأغلق الهاتف".
ويشير محمود زكريا، إلى أن توفير المبالغ المالية الباهظة ودفعها للسماسرة نظير السفر إلى الأراضي الليبية بطرق غير شرعية، يُعد هو العائق الأكبر أمام الشباب الراغبين في الهجرة؛ إلا أن السماسرة منذ بضعة أشهر قاموا بإختراع بديل جديد عن المبالغ المالية المخصصة للسفر، وهذا البديل يتمثل في توقيع الشاب الراغب في السفر أو والده على عقد بيع لأرضه الزراعية أو منزله، وتظل هذه العقود رهنًا لدىّ السماسرة لمدة عام واحد حتى يتمكن المهاجر من العمل وإرسال المبلغ المتفق عليه، وإذا لم يستطع تسديد المبلغ أو لقى مصرعه تؤل ملكية الأرض أو المنزل إلى السمسار.