في وقتٍ تُصارع شعوب بعض الدول العربية كالعراق وسوريا لطرد أي قوات أجنبية من أراضيها وتسلك في ذلك شتى الطرق لبلوغ هذا المسعى، يخرج وزير الداخلية فيما يعرف بحكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا، ليقول إن حكومته تقترح على الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية لها في غرب البلاد لمواجهة ما وصفه بالنفوذ الأجنبي، ولكن، ما وراء هذا التحرك، ولماذا خرجت مثل هذه التصريحات في هذا التوقيت بالذات، وهل تستجيب أمريكا فعلا لهذا المطلب، أم أن الرئيس، دونالد ترامب، الذي وعد شعبه بتجنيب البلاد صراعات الشرق الأوسط ستكون له كلمة أخرى، وما موقف سلطات شرق ليبيا من ذلك، أم أن هذه التصريحات لا تعدو أن تكون لمجرد استمالة واشنطن التي لا يزال موقفها من الأزمة الليبية إلى حد الآن غامضا بعض الشيء؟.
الكاتب الصحفي والمتخصص في الشأن الليبي، عبد الستار حتيتة، يقول إن "طلب وزير الداخلية في حكومة طرابلس من الجانب الأمريكي إقامة قاعدة عسكرية في البلاد جاء انطلاقا من حالة اليأس التي تعيشها حكومة الوفاق"، معتبرا أن تلك الدعوة ما هي إلا "مبادرة فردية وشخصية من وزير داخلية الوفاق، ولم يتم التشاور فيها لا مع المجلس الرئاسي ولا مع باقي وزراء حكومة طرابلس ولا مع أي جسم تشريعي في ليبيا".
أمريكا، التي قال وزير دفاعها، مارك إسبر، إنها لا تخطط لسحب جميع قواتها من أفريقيا ولكنها تريد إعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية هناك، تنشر في القارة السمراء قرابة الـ 6 آلاف جندي، تريد إعادة تموضعهم. ولكنها تسعى في نفس الوقت، بحسب رئيسها، لعدم الانخراط في نزاعات الشرق الأوسط، ومنها ليبيا، التي لا تُبدي واشنطن موقفا واضحا حيالها.
وربما لذلك، يرى المتخصص في الشأن الليبي، في تصريحات ل"أهل مصر"، خلال حديثه عن الموقف الأمريكي من مقترح باشاغا، أن "الولايات المتحدة تعلم تماما حجم القوة ومن يسيطر في ليبيا ومن لديه القدرة على اتخاذ مثل هذه القرارات"، مضيفا أن "أمريكا لن تلتفت كثيرا لمثل هذه المبادرات التي تفتقر إلى المشروعية".
وبشأن موقف مجلس النواب في طبرق والجيش الوطني الليبي من الدعوة، قال "حتيتة" إن "حكومة الوفاق لم تحصل على مصادقة من البرلمان، فبالتالي هي حكومة غير معترف بها من جانب البرلمان ومن جانب الجيش الوطني. بالإضافة إلى ذلك، فإن البرلمان نفسه سبق وأن أحال عددا من المسؤولين بتهمة الخيانة العظمى، منهم فتحي باشاغا، ومحمد سيالة، وزير الخارجية، فضلا عن فائز السراج (رئيس المجلس الرئاسي)".
ويرى الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي، تبعا لذلك، أن "مجلس النواب والجيش الليبي لا ينظران بأي اعتبار لتصريحات باشاغا، ولا ينظران لأي تأثير محتمل لها".
وحول تداعيات هذا التصريح على المسار السياسي في البلاد وعملية وقف إطلاق النار ومحادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، اعتبر "حتيتة" انه "ليس له تأثير، بل إنه مجرد تصريح ليس له أي وزن، لا على صعيد الداخل الليبي ولا بالنسبة للولايات المتحدة". ولكنه يرى أن التداعيات الوحيدة لذلك هي "تململ النظام التركي وتململ أطراف المجلس الرئاسي وجماعة الإخوان".