في الوقت الذي كان الأطفال المتساوين معها في العمر يلعبون ويتدللون، كانت «شادية» تذهب إلى المشغل بمدينتها لتتعلم صناعة «الفركة والنول» ولا يتعدى عمرها الـ6 أعوام، لأنها أكبر أخواتها سنًا وعملت في هذه الحرفة لتساعد أسرتها في المعيشة، حتى هوتها وأيقنتها، واستمرت بها إلى أن استطاعت أن تدرب أكثر من 200 فتاة بمحافظتي قنا والأقصر، طوال 45 عامًا التي عملت خلالهم في صناعة الفركة والنول.
سيدة صعيدية علمت فتيات قنا والأقصر صناعة 'النول'شادية عبدالله البرديسي، سيدة في ربيعها الخمسين، والمقيمة بمدينة نقادة في قنا، تجدها جالسة على آلة من الخشب تسمى «النول»، وتمسك بيديها خيوط الحرير تحركهم يمينًا وشمالًا، وقدميها تراقب كفيها في ذات الحركة، لاستخراج منتج الفركة، الذي عملت به منذ طفولتها، ومن خلالها ساعدت أسرتها في البداية ثم انتقلت بها لمساعدة زوجها وتربية أبنائها الأربعة حتى زوجت اثنين منهم وما زالت مستمرة في رحلة كفاحها.
سيدة صعيدية علمت فتيات قنا والأقصر صناعة 'النول'تقول شادية، في حديثها لـ«أهل مصر»، إنها لم تكمل تعليمها واكتفت بالشهادة الإعدادية، لقضاء وقتها بالكامل في حرفة النول داخل مشغل مدينتها والذي استمرت به 11عامًا، وشغفها المتزايد لاتقانها، حيث استطاعت أن تتحول من متدربة إلى مدربة في فترة وجيزة، واشتهرت حققت نجاحًا بها، فزوجت منها شقيقتها الصغرى وجهزت نفسها حتى تزوجت، واعتقدت أنها بعد الزواج سوف تنقطع عن حرفتها ولكنها لم تستطع ذلك وبعد شهور من زواجها أقنعت زوجها بالعودة إلى ممارسة مهنتها، وبالفعل عادت لها ولكن من داخل منزلها قامت بصناعة الآلة ذاتها بمفردها من خلال أدوات صناعة النول : «الخشب، وجعزل، ونير، ومشط، ومزدية، ومطوة، وسلبان»، ثم بدأت تصنع وتروج وتشتري الخامات بذاتها، ومن أكثر المنتجات التي اشتهرت في صناعتها الشيلان والسجاد وذلك من خيوط الحرير والقطن والكتان التي تقوم بشرائهم من المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، وأحيانًا من سوهاج ، والتي كانت تصدره إلى دولة السودان وبعض المحافظات السياحية، وظلت تعمل في منزلها لمدة 5 أعوام.
سيدة صعيدية علمت فتيات قنا والأقصر صناعة 'النول'وأضافت البرديسي، أنها عملت بعد ذلك مدربة لحرفة الفركة بالمركز الحضري، في محافظة الأقصر ومستمرة به حتى الآن بتخصيص أيام محددة لتذهب يوميًا من محافظة لمحافظة لترضي شغفها بهوايتها، وفي ذات الوقت عملت مدربة بمختلف مراكز قنا: نجع حمادي، وقفط، ودشنا، وقوص، ونقادة؛ فتعلم تحت يديها أكثر من 200 فتاة، وكل فتاة تدربها كانت السعادة الحقيقية لها بأنها فادت غيرها، وتم تكريمها أكثر من مرة من قبل العديد من الجمعيات الأهلية والمسئولين.
سيدة صعيدية علمت فتيات قنا والأقصر صناعة 'النول'وأوضحت، أن حرفة النول جاء عليها وقت كادت أن تندثر وذلك بعد أن أُغلقت كثير من ورشها، وتراجع عدد العاملين بها، نتيجة للتجاهل الحكومي لتلك الصناعة، داخل مركز نقادة إلى أنها ساعدت في إحيائها مرة أخرى وفي شكل أكثر تطورًا من خلال اشتراكها في جمعية تنمية المجتمع في مدينتها والتي قامت بصناعة آلات حديثة متخصصة للشيلان والسجاد بحجم أكبر، وذلك غير ما كانت عليه الحرفة قديمًا حيث كانت آلاتها صغيرة الحجم وتُصدر منتجاتها لدولة السودان وبلون موحد فقط، بينما الآن اختلفت كثيرًا حيث تعددت الألوان والدول التي تقوم بالتصدير لها، بل وأصبح ترويج المنتج سهل داخل مصر أيضًا.
سيدة صعيدية علمت فتيات قنا والأقصر صناعة 'النول'وأكدت أن أمنيتها أن يكون لها مشغل خاص بها تساعد به كل فتيات مدينتها، وتتخلص من معاناتها اليومية للذهاب إلى محافظة الأقصر لتلقي تدريباتها، وتتمنى أيضًا أن تلقى إهتمامًا من قبل المسئولين بها حيث أنها لا تقل أهمية عن المهن الأخرى وتحتاج إلى النظر لها ولتطويرها لأنها مصدر رزق لأسر عديدة.