"صلوا في رحالكم.. صلوا في بيوتكم".. نداء سيسمعه المصريون خلال الأيام المقبلة وهم يتحسرون، لأن هذا الشعب "المتدين بطبعه" كما يطلق عليه سيكون مضطرا للمكوث في بيته وأداء صلواته خوفا من فيروس كورونا.
قلوب معلقة بالمساجد، عيونها ستبكي ألما نظرا لوضع لم تشهده مصر إلا قليلا، ولكن لكورونا أحكام والحفاظ على النفس من مقاصد الدين العليا، أو كما تقول الحكمة "الساجد قبل المساجد والإنسان قبل البنيان".
صيغة الأذان التي أقرتها وزارة الأوقاف ستكون غريبة على المصريين قليلا ولكنها من الناحية الشرعية صحيحة جدا، فقد أقرها الإسلام قولا وفعلا، كما بين علماء الأمة على مر التاريخ ذلك، إذ أنه لا خلاف بين العلماء في أنه يجوز للمؤذن أن يقول: "الصلاة في الرحال" أو "صلوا في رحالكم " أو "صلوا في بيوتكم".
وأقر العلماء حالات تغيير صيغة الأذان وهي أن يكون هناك عذر يستوجب ذلك وحالات طارئة تستدعي هذا التغيير ومن أهمها انتشار الأوبئة كما هو حادث الآن من تفشي وتمدد لفيروس كورونا الذي وصلت حالات الإصابة به في مصر ما يقارب 300 شخص وسط توقعات بزيادة هذا العدد الفترة المقبلة.
ومن ضمن الحالات التي يجوز فيها تغيير صيغة الأذان، أيام البرد الشديد الذي لا يستطيع الإنسان خلاله أن يذهب المساجد، فينادي المؤذن بهذه الصيغة تخفيفا على الناس.
أيضا يتم تغيير صيغة الأذان عندما يكون هناك مطر أو ريح شديدة، وغير ذلك من الحالات الطارئة والقهرية التي يحددها أهل الشرع والاختصاص.
وبالنسبة لمن يحدد هذا الأمر فسيكون لأهل الاختصاص فلا يصح أن يغير الإنسان أو المؤذن من نفسه الصيغة، وإنما لابد من من إصدار ذلك الأمر من الجهات المختصة وفق الأوضاع الراهنة، فالقرار يكون في هذه الحالة للمؤسسات وليس للأفراد.
وقد جاءت السنة بتخيير المؤذن، فإما أن يقول هذا القول بعد تمام الأذان، وإما أن يقوله بدلا من قوله : "حي على الصلاة" ويتم الأذان كاملا ويقول الصيغة.
وقررت وزارة الأوقاف إيقاف إقامة صلاة الجمع والجماعات وغلق جميع المساجد وملحقاتها وجميع الزوايا والمصليات ابتداء من تاريخه ولمدة أسبوعين والاكتفاء برفع الأذان في المساجد دون الزوايا والمصليات.
ومن ضمن أدلة مشروعية ذلك الفعل ما ذكره الإمام البخاري في صحيحه عن نافع قال: "أذن ابن عمر في ليلة باردة في ضنجان، فاخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا فيؤذن، ثم يقول على إثره، ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة والممطرة"، وفي دليل دامغ على مشروعية تغيير صيغة الأذان.
ومن ضمن الأدلة التي وردت أيضا في هذا الصدد، ما ذكره البخاري أيضا عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن عباس، أنه قال لمؤذنه في يوم مطير، إذا قلت أشهد أن لا إله إلا الله، فلا تقل حي على الصلاة، ولكن قل صلوا في بيوتكم، قال فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال أتعجبون من ذلك فقد فعلها من هو خير مني يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الجمعة عزمة وأنى كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين".
وأوضحت الأوقاف في تبريرها لتتغير صيغة الأذان وغلق المساجد، أن ذلك يأتي بناء على ما تقتضيه المصلحة الشرعية والوطنية من ضرورة الحفاظ على النفس كونها من أهم المقاصد الضرورية التي ينبغي الحفاظ عليها، وبناء على الرأي العلمي لوزارة الصحة المصرية ومنظمة الصحة العالمية وسائر المنظمات الصحية بمختلف دول العالم التي تؤكد الخطورة الشديدة للتجمعات في نقل فيروس كورونا المستجد (covid -19) وما يشكله ذلك من خطورة داهمة على حياة البشر.
وشددت الوزارة، أن هناك لجانا تفتيشية ستمر خلال الأيام المقبلة للتأكد من تنفيذ التعليمات، مع إحالة اي أمام أو عامل مقصر إلى التحقيق فورا.