يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة الشورى فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. قال القرطبي في تفسير قوله تعاليلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ : ليس كذاته ذات ، ولا كاسمه اسم ، ولا كفعله فعل ، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ ، ويقول السعدي عن معنى هذه الآية أنها : نفي مماثلة المخلوقات. وفي تفسير البغوي : ليس مثله شيء . قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ليس له نظير . ( وهو السميع البصير ) . أما تفسير ابن كثير ( ليس كمثله شيء ) أي : ليس كخالق الأزواج كلها شيء ; لأنه الفرد الصمد الذي لا نظير له ، ( وهو السميع البصير )، وجاء في شرح العقيدة الطحاوية : اتفق أهل السنة على أن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله . ولكن لفظ التشبيه قد صار في كلام الناس لفظا مجملا يراد به المعنى الصحيح ، وهو ما نفاه القرآن ودل عليه العقل ، من أن خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء من المخلوقات ، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته : ليس كمثله شي ويراد به أنه لا يثبت لله شيء من الصفات ، فلا يقال : له قدرة ، ولا علم ، ولا حياة ، لأن العبد موصوف بهذه الصفات ! ولازم هذا القول أنه لا يقال له : حي ، عليم ، قدير ، لأن العبد يسمى بهذه الأسماء ، وكذلك كلامه وسمعه وبصره وإرادته وغير ذلك . وهم يوافقون أهل السنة على أنه موجود ، عليم قدير ، حي . والمخلوق يقال له : موجود حي عليم قدير ، ولا يقال : هذا تشبيه يجب نفيه ، وهذا مما دل عليه الكتاب والسنة وصريح العقل .
لكن مع ذلك فإن كل العقائد والأديان ذهبت إلى الإشارة إلى الله بضمير المذكر ، ولم يتعرض لهذه المشكلة في علم الكلام أى عالم أو فيلسوف مسلم أو عربي، ولكن فقط الفيلسوف الهولندي سبينوزا هو الذي رفض هذا التصور على اعتبار أنه يمس بالذات الإهلية ، وفي نفس الوقت يقلل من مكانة النساء كمخلوقات لله تعالى ، وويرفض بشجاعة سبينوزا تصوير الله بصورة المذكر التي تنعكس عن تبعية المرأة للرجل وخضوعها له على هذه الأرض. ويجيب سبينوزا على رجل اعترض عليه في تصويره الله بصورة مبهمة غير شخصية بقوله: «عندما تقول إنني أنكر بأن يكون الله بصر وسمع وإرادة وما إلى ذلك فإنك لا تعرف أي نوع من الله إلهي وأظن أنك تعتقد بأن الإله أعظم كما من الله الذي يتصف بالصفات السابقة، وهذا لا يدعو إلى إثارة الدهشة في نفسي. وأعرب سبينوزا عن اعتقاده أن المثلث لو استطاع أن يتكلم لقال بنفس الطريقة على أن الله مثلث في أضلاعه ولقالت الدائرة إن طبيعة الله دائرية في سموها وهكذا يخلع كل شيء صفاته الخاصة على الله.
اقرأ أيضا .. هل الزنا ينفي الإيمان ؟ وماذا قال النبى للصحابي الذي طلب الإذن له بالزنا ؟
وفي نفس الوقت اعتبر سبينوزا أنه لا العقل ولا الإرادة ينطقان على طبيعة الله بالمعنی العادي الذي تعرى فيه هذه الصفات البشرية إلى الله، ولكن إرادة الله هي مجموع الأسباب كلها والقوانين كلها. وعقل الله هو مجموع العقول كلها. إن عقل الله كما يفهمه سبينوزا هو كل القوى العقلية المنتشرة في أرجاء المكان والزمان، وهو الوعي والإدراك المنتشر الذي يبعث الحياة في العالم كل الأشياء حية بدرجات والحياة والعقل وجه واحد لكل ما نعرفه من أشياء، كما أن الامتداد المادي أو الجسم وجه آخر، وهذان العقل والجسم هما الوجهان أو الصفتان اللتان بهما ندرك عمل الجوهر أو الله. وبهذا المعنى يمكن أن يقال إن الله وهو الحقيقة الأبدية وراء تدفق الأشياء له عقل وجسم، فلا العقل وحده ولا المادة وحدها هي الله، ولكنه العمليات العقلية والعمليات الذرية التي تشكل تاريخ العالم المزدوج هذه وأسبابها وقوانينها هي الله ، فالله لم يطلب على لسان الأنبياء أن يعرف الناس عنه إلا عدله و إحسانه، أي الصفات التي تعطي الناس قاعدة عملية للحياة… فالكتاب لا يعطي أي تعريف صحيح لله، ولا يطلب من المؤمنين أن يدركوا من صفات الله إلا ما ذكرناه الآن، ولا يوحي صراحة بأي صفات أخرى، وننتهي من ذلك كله إلى أن المعرفة العقلية لله، والتي تصل إلى الطبيعة الإلهية في ذاتها.