يقول المولى سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة -38)، يقول الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة عن أبي جعفر: وقد ذكرنا القول في تأويل قوله: ' قلنا اهبطوا منها جميعًا ' قال أبو جعفر: وتأويل قوله: ' فإما يأتينكم '، فإنْ يَأتكم. و ' ما ' التي مع ' إن ' توكيدٌ للكلام، ولدخولها مع ' إن ' أدخلت النون المشددة في' يأتينَّكم '، تفرقةً بدخولها بين ' ما ' التي تأتي بمعنى توكيد الكلام - التي تسميها أهل العربية صلة وَحشوًا - وبين ' ما ' التي تأتي بمعنى ' الذي'، فتؤذِن بدخولها في الفعل، أنّ' ما ' التي مع ' إن ' التي بمعنى الجزاء، توكيد، وليست ' ما ' التي بمعنى ' الذي'.
أما السعدي فقال في تفسير الآية : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى } أي: أيَّ وقت وزمان جاءكم مني -يا معشر الثقلين- هدى, أي: رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني, ويدنيكم مني; ويدنيكم من رضائي، { فمن تبع هداي } منكم, بأن آمن برسلي وكتبي, واهتدى بهم, وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب, والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، { فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } وفي الآية الأخرى: { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن والفرق بينهما, أن المكروه إن كان قد مضى, أحدث الحزن, وإن كان منتظرا, أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا, حصل ضدهما, وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه, حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه, من الخوف, والحزن, والضلال, والشقاء، فحصل له المرغوب, واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه, فكفر به