كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الضغوطات التي يمارسها البيت الأبيض على تايوان، لشراء أسلحة أميركية تمكن جيشها الصغير من صدِّ أي غزو بحري قد تشنه الصين، وذلك بدلاً من الأسلحة المُصممة للحرب التقليدية، وفقاً لما ذكره مسؤولون أميركيون وتايوانيون.
وأشارت الصحيفة الأميركية، في تقرير نشرته السبت، إلى أنه تم تسريع حملة الضغط الأميركية لتشكيل دفاعات تايوان منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا الذي أمر به الرئيس فلاديمير بوتين في أواخر فبراير الماضي.
وأقنعت الحرب في أوكرانيا واشنطن وتايبيه بأن احتمالية الغزو الصيني للجزيرة في السنوات المقبلة تمثل خطرًا قائمًا في الوقت الحالي، وأنه يمكن للجيش التايواني الأصغر التغلب على عدو أكبر متى امتلك الأسلحة المناسبة وتبني استراتيجية حرب غير متكافئة تركز على التنقل والهجمات الدقيقة.
وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين يعملون حاليًا على تقييم قدرات الجيش التايواني لتحديد ما إذا كان بإمكانه محاربة أي غزو محتمل، على النحو الذي تفعله القوات الأوكرانية.
الحرب غير المتكافئة
وتحاول رئيسة تايوان تساي إنج وين توجيه جيش البلاد نحو الحرب غير المتكافئة، كما تحركت لشراء عدد كبير من الأسلحة المحمولة والقاتلة التي يصعب استهدافها أو مقاومتها، إلا أن بعض مسؤولي الدفاع التايوانيين يقاومون هذه التحركات.
كما رأى المسؤولون الأميركيون أن بعض أنظمة الأسلحة التي حاولت وزارة الدفاع التايوانية طلبها، مثل مروحية "إم إتش-60 آر سي هوك"، التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتن"، ليست مناسبة للحرب ضد الجيش الصيني، حسب الصحيفة.
ووفقاً لـ"نيويورك تايمز"، فإن المسؤولين الأميركيين، حذروا نظرائهم التايوانيين من أنَّ وزارة الخارجية سترفض مثل هذه الطلبات، كما طلبوا من صانعي الأسلحة الأميركيين الامتناع عن مطالبة الوكالات الأميركية بالموافقة على الطلبات التايوانية لبعض الأسلحة، مشيرة إلى أن عملية الشراء عادةً ما تكون معقدة في ظل مشاركة أطراف عدة فيها.
ويقول المسؤولون والمشرعون الديمقراطيون والجمهوريون إن أحد الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا هو أنه يجب على الولايات المتحدة المساعدة في تحويل تايوان إلى قوة بإمكانها ردع الهجمات المحتملة من الصين.
استراتيجية الدفاع التايوانية
وشارك مسؤولو وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين في المناقشات مع الحكومة التايوانية، وأرسل المشرعون ومساعدو الكونجرس رسائل مماثلة إلى تايبيه.
كما أرسلت إدارة الرئيس جو بايدن وفداً من الحزبين مؤلفاً من خمسة من كبار مسؤولي الأمن القومي السابقين إلى الجزيرة، في أوائل مارس الماضي، للتحدث إلى تساي ومسؤولين آخرين حول استراتيجية الدفاع في البلاد وشراء الأسلحة، من بين أمور أخرى، حسب الصحيفة.
وتحدث المسؤولون الحاليون والسابقون الأميركيون والتايوانيون المطلعون على المناقشات، إلى الصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية المفاوضات.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قوله إن "الاستمرار في شراء الأنظمة التي لن تسهم بشكل هادف في تحقيق استراتيجية دفاعية فعالة لا يتوافق مع التهديد الأمني المتطور الذي تواجهه تايوان الآن، ولذا فإنَّ الولايات المتحدة تدعم جهود تايبيه بقوة لتبني استراتيجية دفاعية غير متكافئة".
وكشف مسؤول آخر في وزارة الخارجية أن المحادثات مع تايوان بشأن الأسلحة جرت في وقت مبكر من وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، مشيراً إلى أن الحكومتين "تنظران الآن في الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا".
تعهد صيني
ولطالما تعهدت الصين بجعل تايوان، الجزيرة الديمقراطية التي تعد شريكة للولايات المتحدة، تحت سيطرتها.
وعلى الرغم من عدم وجود ما يشير إلى حتمية الحرب، فقد اتهم الرئيس الصيني شي جين بينج بتبني "سياسة خارجية أكثر عدوانية من أسلافه"، وهو ما يجعل المسؤولين الأميركيين يخشون من إمكانية غزوه لتايبيه، بحسب تعبير الصحيفة الأميركية.
وقالت الصحيفة إن غزو الصين لتايوان "قد يختلف عن جهود الجيش الروسي في أوكرانيا كما أنه سيكون أكثر صعوبة، إذ سيتعين على السفن الحربية الصينية عبور أكثر من 100 ميل من المياه في مضيق تايوان وكذلك القوات البرية في الجزيرة".
وأضافت "كما يعج الجانبان الصيني والتايواني من المضيق بالصواريخ الموجهة لبعضهما البعض، وترسل الولايات المتحدة والدول المتحالفة سفناً حربية بانتظام عبر الممر المائي لاستعراض القوة".
صعوبات تسليح تايوان
ورأت الصحيفة أن إمداد تايوان بالأسلحة سيكون أكثر صعوبة للولايات المتحدة وحلفائها مما كان الأمر عليه بالنسبة لأوكرانيا، ونتيجة لذلك، فإن بعض المسؤولين يفكرون في تخزين كميات كبيرة من الذخائر في الجزيرة.
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أنَّ العديد من طلبات شراء الأسلحة الأخيرة في تايوان باتت تتماشى مع استراتيجية الحرب غير المتكافئة، ولكن بعض المسؤولين التايوانيين يواصلون الضغط على نظرائهم الأميركيين بشأن طلبات الحصول على أسلحة تقليدية باهظة الثمن مثل دبابات "أبرامز".
ومن جانبه، أبلغ وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشينج البرلمان، الخميس، أن الوزارة تخلت عن خطة لشراء طائرات هليكوبتر من طراز "إم إتش-60 آر" لأنها باهظة الثمن، لكنه لم يذكر أن المسؤولين الأميركيين كانوا يضغطون على تايوان لعدم شراء هذه الطائرات.
كما يناقش المسؤولون الأميركيون والتايوانيون أيضاً ما إذا كان ينبغي على الجزيرة شراء طائرة "E-2D" التي تنتجها شركة "نورثروب جرومان".
ويقول بعض المسؤولين الأميركيين إنه على تايوان أيضاً زيادة مشترياتها من أنظمة صواريخ الدفاع الجوي الساحلية والطائرات المسلحة بدون طيار والألغام البحرية.
فيما أعرب المسؤولون التايوانيون، في الأسابيع الأخيرة، عن إحباطهم من الحكومة الأميركية وشركات الأسلحة في الولايات المتحدة، واشتكوا من تأخير التسليم وعدم تنفيذ الطلبات، كما يقول مسؤولون إن تساي نفسها قد أرسلت رسائل إلى واشنطن حول الأمر.
وازدادت الشكوك في واشنطن وتايبيه بشأن نوايا الصين تجاه تايوان خلال حرب أوكرانيا وذلك بالنظر إلى ما يعتبرونه دعماً مستمراً من المسؤولين الصينيين لمنطق بوتين الكامن وراء غزوه لكييف.
متابعة عن كثب
ويأتي هذا الضغط الأميركي، في وقت قال مدير الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" ويليام بيرنز خلال مؤتمر نظمته صحيفة "فايننشل تايمز"، إن الحرب الروسية على الأراضي الأوكرانية "أثرت على حسابات الصين بشأن تايوان، ولكنها لم تؤثر على عزمها على الإجراءات المستقبلية"، مؤكداً أن "القادة الصينيين ينظرون عن قرب لكلفة ونتائج استعمال القوة ضد تايوان".
ونبه بيرنز، إلى أن الصين تتابع "من كثب" الغزو الروسي لأوكرانيا، لافتاً إلى أن بكين "فوجئت" بإخفاقات الجيش الروسي ومقاومة المجتمع الأوكراني.
وأضاف "أعتقد أنهم صدموا خصوصاً بكيفية توحد حلف الناتو لفرض أثمان اقتصادية على روسيا رداً على عدوانها".
وتابع أن الصين "انزعجت من كون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرّب بين الأوروبيين والأميركيين"، وقال أيضاً "أما بالنسبة إلى الخلاصات التي خرجوا بها فيبقى هذا الأمر علامة استفهام".
وفي رأي بيرنز أن القادة الصينيين يبحثون "الأكلاف والتداعيات" الناتجة من استخدام محتمل للقوة بهدف السيطرة على تايوان.