في تحول مفاجئ يعكس استراتيجية أمريكية جديدة تجاه سوريا، كشف توماس باراك، مبعوث الرئيس الأمريكي إلى سوريا، عن تفاهمات بين الولايات المتحدة والحكومة السورية الجديدة. تسمح هذه التفاهمات بانضمام ما يقرب من 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور القادمين من الصين والدول المجاورة، إلى الفرقة 84 في الجيش السوري المشكل حديثاً.
جاءت هذه التصريحات، التي نقلتها وكالة رويترز، بمثابة صدمة سياسية، خاصة وأن واشنطن كانت قد ربطت في السابق الاعتراف بشرعية حكومة الرئيس أحمد الشرع ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا بخروج هؤلاء المقاتلين من البلاد.
واقعية أمريكية جديدة: الاستقرار أولاً
لا يمكن قراءة هذا التحول الأمريكي كخطوة منفردة، بل يندرج ضمن إعادة تموضع واضحة في السياسة الأمريكية تجاه سوريا الجديدة. يبدو أن إدارة ترامب تتبنى مقاربة تركز على دعم الاستقرار ومنع الفوضى الأمنية، حتى لو تطلب ذلك التغاضي عن بعض الشروط السابقة أو الانخراط في ترتيبات محلية لا تنسجم كلياً مع المعايير الأمريكية التقليدية.
تتماشى هذه المقاربة مع تقرير حديث لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي أكد أن 'أهم ما يمكن أن تفعله واشنطن في سوريا حالياً هو دعم أي ترتيبات تؤدي إلى بسط الأمن المحلي ومنع الفوضى، حتى لو كانت غير مكتملة من حيث المعايير الديمقراطية'.
وقد تجلى هذا التوجه بوضوح في تصريحات الرئيس ترامب أثناء زيارته للسعودية، حيث أعرب عن أمله في أن تنجح الحكومة الجديدة في سوريا بتحقيق الاستقرار، مشيراً إلى أن واشنطن قد اختارت نهج التعاون مع الحكم الجديد في سوريا لمنحه 'فرصة للنمو'. كما صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أمام مجلس الشيوخ في 20 مايو/أيار بأن رفع العقوبات سيساعد سوريا في منع حرب أهلية شاملة وفوضى.
سوريا ودبلوماسية التطمين والتهدئة
في مواجهة التوجس الدولي من ملف المقاتلين الأجانب، سعت الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع إلى نزع فتيل المخاوف الدولية عبر تبني خطاب هادئ ومطمئن، يبرز استعدادها لضبط هذا الملف ضمن إطار الدولة.
أوضح الرئيس أحمد الشرع خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي ماكرون أن الحكومة السورية تضمن لجميع دول العالم أن المقاتلين الأجانب الذين بقوا في سوريا لن يشكلوا خطراً على أي من الدول المجاورة. ويشير الباحث في الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، إلى أن هذا التحول الأمريكي لا يمكن فصله عن البراغماتية المتبادلة بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة، حيث نجحت دمشق في بناء قدر من الثقة مع الإدارة الأمريكية.
وأضاف هنية أن واشنطن باتت ترى في الحكومة الجديدة شريكاً أكثر واقعية واستقراراً، خاصة في ظل التوافق الإقليمي المتزايد على دعمها. من هنا، لم يعد شرط طرد المقاتلين الأجانب أولوية أمريكية.
من جانبه، أكد وزير الدفاع مرهف أبو قصرة أن الوزارة تعمل على ضبط كل الجهات العسكرية تحت وزارة الدفاع، مضيفاً: 'لن نسمح لأي تجمع عسكري أن يكون خارج سلطة وزارة الدفاع'. وكان الرئيس الشرع قد ألمح في وقت سابق إلى إمكانية منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا سنوات طويلة في سوريا، مؤكداً التزامه بمنع استخدام الأراضي السورية لتهديد أي دولة أخرى.
المقاتلون الإيغور: بين الدمج والتطرف
لم يكن أمام الحكومة السورية الجديدة هامش كبير للمناورة في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، خصوصاً في ظل هشاشة المرحلة الانتقالية. فاستبعادهم أو ترحيلهم بالقوة لم يكن مجرد قرار سياسي صعب، بل مخاطرة أمنية حقيقية قد تفتح الباب أمام عودة كثيرين منهم إلى أحضان تنظيمات جهادية عابرة للحدود.
وقد ذكر مصدران مقربان من وزارة الدفاع السورية لوكالة رويترز أن الشرع ومقربيه حاولوا إقناع مفاوضين غربيين بأن ضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجدداً لتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة. هذا القرار يعكس سعياً لدمج هذه القوى في مؤسسات الدولة الجديدة، بدلاً من تركهم كعنصر فوضى محتمل.