ads
ads

أكتب لكم عن أحمد ... سفر الأحلام من جوار السيد البدوي لخشبة المسرح

محمد مختار
محمد مختار

في زقاق ضيق بمدينة ميت غمر، حيث الشمس تنحني على البيوت القديمة، ونسيم النيل يلمس وجوه الأطفال، وُلِد أحمد الغمراوي قبل ثمانية وثلاثين عامًا. منذ طفولته، كان كل شيء حوله ينبض بالحياة؛ حواري القرية، الناس الذين يعرفون بعضهم البعض بالاسم واللقب، وصوت الأذان الذي يصدح من مئذنة المسجد في الصباح الباكر. في تلك البيئة الصافية، تعلّق قلبه بالحلم الكبير، حلم يراه في أحلامه كل ليلة: التمثيل، الفن، الحياة على خشبة المسرح، وإضاءة الأنوار على وجهه وهو يؤدي دورًا يلمس قلوب الناس.

أحمد لم يكن وحيدًا في رحلته، كان بالقرب منه دائمًا أهل القرية، جيرانه، وأيضًا مؤثرون من نوع خاص؛ كان يسكن على مسافة قصيرة من مكان إقامة الشيخ محمد متولي الشعراوي في قرية دقادوس، ذلك الرجل الذي لم يكن مجرد داعية، بل كان رمزًا للمعرفة والقيم، علم أحمد الكثير عن الصبر، الإخلاص، ومواجهة الحياة بروح متفائلة.

منذ الصغر، كان أحمد مولعًا بكرة القدم. في الأزقة الترابية، وعلى أرض الحقول التي تحيط بالقرية، كان يركض خلف الكرة بلا توقف، يتعلم الانضباط، روح الفريق، والصبر على الهزيمة قبل التعود على الفوز. كرة القدم لم تكن مجرد لعبة، بل كانت مدرسة حياتية صغيرة، تعلمه كيف يكون قائدًا، وكيف يكون صديقًا، وكيف يحلم دون أن ينسى جذوره.

لكن، على الرغم من عشق أحمد للرياضة، كان حلم التمثيل هو شعلة حياته. حلم يراوده منذ أن كان صغيرًا، حلم يوقظه في منتصف الليل، حلم يرفض أن يموت. كان يشاهد المسرحيات، يتابع الأفلام، يدرس حركات الممثلين، ويكررها أمام المرآة، كما لو أن كل يوم من حياته هو فرصة للاقتراب خطوة صغيرة نحو حلمه الكبير.

الحياة ليست سهلة، ولا طريق الأحلام ممهدة دومًا، وأحمد واجه الكثير من الصعاب. لكنه لم يستسلم. تزوج أحمد وأصبح لديه عائلته الصغيرة، ابنتان جميلتان هما ملك وحبيبة، تملأان حياته بالحب والدفء. زوجته كانت الدعم والسند، تعطيه القوة للاستمرار، وتشجعه على مواصلة سعيه وراء حلمه. العائلة بالنسبة له ليست مجرد بيت يسكنه، بل مصدر إلهام، سبب للاستيقاظ كل صباح، ودافع لمواجهة تحديات الحياة بشجاعة.

احمد الغمراوياحمد الغمراوي

بعد سنوات من العيش في ميت غمر، قرر أحمد الانتقال إلى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، مدينة الجمال الطبيعي، ومدينة السيد البدوي، التي تحيط بها الروحانية والتاريخ. هناك، بين الأزقة والشوارع المليئة بالحياة، شعر أحمد بأنه وجد بيئته الجديدة، مكانًا يمزج بين الحداثة والروحانية، بين الصخب والهدوء. المدينة أعطته شعورًا بالانتماء، ومع الوقت أصبح يعرف كل زاوية فيها، كل ركن من أركانها، وكل شخص يمر أمامه في الشارع.

رغم انشغاله بالأسرة والعمل اليومي، لم يترك أحمد حلمه يضمحل. كان يحضر ورش التمثيل، يلتقي بالمخرجين، يحاول الانخراط في أي فرصة فنية تظهر أمامه. كان يعرف أن طريق التمثيل طويل، مليء بالعقبات، ولكن في قلبه كان دائمًا شعور أن المثابرة والاجتهاد هما المفتاح. كان يقول لنفسه: 'من لا يحلم، يموت وهو حي'، وكان يعيش كل يوم وكأنه فرصة جديدة للاقتراب خطوة من حلمه.

أحمد الغمراوي مثال حي للشاب المصري الذي يحمل أحلامه في قلبه، ويعمل من أجلها بصبر وإصرار، دون أن ينسى جذوره، دون أن يترك أهله وأرضه. حكاية أحمد ليست مجرد قصة شخص، بل هي صورة صغيرة لحياة كل مصري يحلم، كل مصري يعمل، وكل مصري يؤمن بأن المستقبل يمكن تغييره بالإرادة والعمل.

من ميت غمر إلى طنطا، ومن الحواري الترابية إلى شوارع المدينة، يظل حلم أحمد يتلألأ في عينيه، مثل نجمة صغيرة في سماء حياته. هو رجل عاش حياته بصدق، جمع بين الواقع والحلم، بين العائلة والطموح، بين كرة القدم والتمثيل، وترك أثرًا صغيرًا في كل مكان مرّ به.

إنها ليست قصة عن شخص وحيد، بل عن روح مصرية أصيلة، روح تؤمن أن الأحلام لا تعرف الحدود، وأن الحياة مهما كانت صعبة، فإن الإنسان قادر على تحويلها إلى تجربة مليئة بالشغف والنجاح. أحمد الغمراوي، بين ميت غمر وطنطا، بين كرة القدم وخشبة المسرح، بين ملك وحبيبة وحلمه الكبير، يظل نموذجًا للشاب المصري الذي يحلم ويكافح، ويكتب بنفسه قصة نجاحه الصغيرة والكبيرة في آن واحد.

في النهاية، أحمد الغمراوي يعلم جيدًا أن الطريق طويل، وأن الأحلام تحتاج إلى صبر وإصرار، لكنه لا يملّ من المحاولة. كل يوم هو صفحة جديدة، وكل خطوة إلى الأمام هي خطوة نحو تحقيق حلمه في التمثيل، حلم يضيء حياته، ويملأ قلبه بالفرح، ويذكره دائمًا بأن الإنسان يستطيع أن يعيش حياته كما يريد إذا امتلك الشجاعة ليحلم ويكافح.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً