ads
ads

اكتب لكم عن نهال: نقد شجاع للنسوية من الداخل يؤسس لأفكار سيكون لها ما بعدها.. فانتظروها

محمد مختار
محمد مختار

في عالم تتسارع فيه الفوضى ويطغى الاستلاب الثقافي وتتدافع الشعارات الكبرى، يبرز أحيانًا صوت واحد يقطع ضجيج الضوضاء، صوت ليس مجرد صدى لما هو متداول، بل تحليل عميق يقترب من جوهر القضية. هذا الصوت، بالنسبة لي، هو صوت الأستاذة نهال جمال عمران، الباحثة في علم الاجتماع والحاصلة على ماجستير من إنجلترا في تخصص قضايا المرأة والتي وضعت نفسها على خريطة الفكر النسوي في مصر من خلال نقد جريء للنسوية الغربية وتطبيقاتها في مجتمعاتنا.

نهال ليست ناقدة من الخارج، ولا متفرجة على التحولات التي تشهدها النساء في البلدان الناطقة بالعربية والتي تدين بالإسلام . هي واحدة من الأصوات العلمية البازرة في المجال الأكاديمي للنسوية، حاولت أن تتناول الحركة النسوية من الداخل، محللةً مبادئها وتأثيرها على النساء في المجتمعات العربية والإسلامية. وهي لا ترفض فكرة العدالة أو المساواة، بل ترفض تبني نموذج غربي بلا سياق، بلا دراسة للخصوصية الثقافية والاجتماعية.

نهال عمران ترى أن النسوية الغربية، عند نقلها إلى المجتمعات العربية ، لم تمنح النساء فرصة لتحقيق ذاتها، بل أوجدت آثارًا سلبية غير متوقعة. هي تقول إن النسوية ركزت على تفكيك البنى الاجتماعية التقليدية: الأسرة، القيم المجتمعية، والروابط التي تمنح المرأة شعورًا بالأمان والانتماء. هذه البنى، التي لطالما كانت داعمة للمرأة في المجتمعات العربية ، صارت هدفًا للتحرير، وبالتالي فقدت بعض النساء شعورهن بالاستقرار النفسي والاجتماعي.

من الأمثلة التي يمكن بها تعزيز فكرة نهال حول نقد النسوية، حكايات نساء شرقيات حاولن تبني مبادئ النسوية الغربية بشكل كامل: امرأة شابة في مصر تخلت عن بعض التقاليد الأسرية بحثًا عن الاستقلال المطلق، لكنها وجدت نفسها وحيدة داخل المجتمع، تواجه رفض العائلة والمحيط الاجتماعي، وتعيش حالة من الغربة النفسية. هذه التجربة، وفق نهال، ليست مجرد حالة فردية، بل انعكاس للتأثيرات العامة لنموذج نسوي لا يتلاءم مع البيئة العربية والإسلامية .

التوقعات غير الواقعية وضغط النفسي

إحدى أهم النقاط التي تؤكد عليها نهال هي أن النسوية الغربية فرضت توقعات غير واقعية على النساء الشرقيات. فهي تدعو إلى استقلالية مطلقة، مساواة تامة مع الرجال في جميع المجالات، والعمل بلا حدود، والتحصيل الأكاديمي والمادي الكامل، دون مراعاة السياق الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.

هذا الضغط المستمر يخلق إحباطًا نفسيًا واضحًا، كما تروي نهال من خلال دراستها الأكاديمية وحواراتها مع النساء: طالبة جامعية مجبرة على العمل لساعات طويلة لتحقيق استقلالها المالي، لكنها تجد نفسها محرومة من الوقت لبناء علاقات اجتماعية أو الاهتمام بنفسها. هنا، ترى نهال أن النسوية، بدل أن تمنح الحرية، أصبحت مصدر ضغط وتعاسة.

البعد الروحي والأخلاقي

نهال تعزز رؤيتها ليس بالتركيز على البعد الاجتماعي فقط، بل أضافت بعدًا روحانيًا وأخلاقيًا لتحقيق ما تعتبره نهال العدالة للنساء من خلال خطاب أصيل يراعي سياق المجتمع المصري والعربي . وعلى ذلك النسوية الغربية، بحسب رؤيتها، ركزت على المكاسب المادية والاجتماعية، متجاهلة الجانب الروحي. وهذا أدى إلى شعور بعض النساء بالفراغ الداخلي رغم تحقيقهن النجاحات التعليمية والمهنية.

ويمكن تعزيز هذا النقد من خلال مثال لامرأة شرقية حصلت على درجة متقدمة في إدارة الأعمال، لكنها كانت تعيش شعورًا بعدم الرضا الداخلي، لأن حياتها المهنية لم تكن متوازنة مع قيمها الروحية والثقافية. وهنا يعتبر الإطار النقدي الذي تقدمه نهال للنسوية إن هذا الفراغ النفسي يظهر بوضوح عند مقارنة تجربة المرأة الشرقية بتجربة المرأة الغربية، التي وجدت مؤسسات داعمة للجانب الروحي والاجتماعي.

صراع الهوية الثقافية

نهال جمال عمراننهال جمال عمران

من الجرأة أيضًا في موقف نهال، تسليط الضوء على صراع الهوية الثقافية. النسوية غير المهيكلة على السياق العربي والإسلامي أوجدت صراعًا داخليًا بين ما تدعو إليه الحركات النسوية الغربية وما تمليه التقاليد والقيم المحلية. هذا الصراع أدى إلى شعور بعدم الانتماء والعزلة الاجتماعية، وخلق حالة من التوتر النفسي والاغتراب لدى النساء اللواتي حاولن التكيف مع هذا الخطاب.

أهمية موقف نهال عمران .. نقد النسوية من الداخل

ما يجعل موقف نهال فريدًا هو أنها صوت أكاديمي موثوق، نقدها لم يأتِ من الانطباع أو العاطفة، بل من دراسات وبحوث وحوارات ميدانية مع نساء شرقيات. هي واحدة من أهم الأصوات العلمية التي تقدم قراءة نقدية متوازنة للنسوية من الداخل، لا من الخارج. موقفها يعيد طرح السؤال الكبير: كيف يمكن للنسوية أن تمنح المرأة فرصة لتحقيق ذاتها دون أن تفقد هويتها أو تتعرض للتعاسة؟

نهال لم ترفض النسوية، بل أعادت صياغة إطارها: الفردانية لا تعني الانفصال عن الواقع الثقافي والاجتماعي، والمساواة لا تعني فرض نموذج غربي غير متناسب. هذا الموقف يمثل قاعدة صلبة لتطوير حركة نسوية واعية في المجتمعات العربية، حركة تراعي حقوق المرأة، حريتها، وهويتها في آن واحد.

البناء الأكاديمي للنقد

نهال لم تكتف بالنقد الاجتماعي فقط، بل قدمت تحليلاً أكاديميًا منهجيًا. دراستها شملت مقارنة بين النسوية الغربية ومحاولات نقل نماذج للنسوية الغربية للمجتمعات العربية ، وقد شمل ذلك ومراجعة تاريخية لمسار النسوية في الشرق الأوسط. هذا النهج أكسبها مصداقية، وجعل موقفها أكثر من مجرد رأي شخصي، بل أداة علمية للنقاش الأكاديمي.

في النهاية، ما قدمته نهال عمران ليس مجرد نقد، بل إعادة رسم للخريطة الفكرية للنسوية في مصر و العالم العربي والإسلامي. نقد شجاع، موضوعي، علمي، يعيد التوازن بين الفردانية والمجتمع، بين المساواة والهوية. أفكارها تمثل بداية لحركة نسوية شرقية واعية ومتوازنة، وربما سيكون لها ما بعدها، حين تتبناها الأجيال القادمة من الباحثات والنساء في المجتمعات العربية.

نهال عمران، بصوتها العلمي والنقدي، تقول لنا شيئًا مهمًا: الفردانية بلا وعي، والمساواة بلا مراعاة للهوية، قد تؤدي إلى تعاسة المرأة بدل تحريرها. ومن هنا تأتي أهميتها، ومن هنا يأتي انتظارنا لما ستقدمه هذه الحركة الفكرية الجديدة التي تؤسس لعالم أكثر توازنًا ووعيًا.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً