أحمد عنتر يكتب: أثر جانبي لقتل الذئب!

أحمد عنتر
أحمد عنتر
كتب : أهل مصر

أن تقتل الذئب لا يعني بالضرورة أنك أنقذت شاةً من الذبح، بل قد يعني أنك ضمنت الحياة لأحد الضباع، لذا لا تأمنن الفتنة في أفعالك، إلا إذا ضمنت خلو تلك الأفاعيل من الجهل والهوى، أو الغرض والمصلحة القاصرة الضيقة، فإن استوثقت من نفسك التجرد والإخبات فإن ذلك الفعل الذي رغبته يمضي إلى الخير رغما عنه، وعلى الجانب الآخر، فإن عدم استمساكك بالعلم وركونك إلى الجهل، قد يُخرج منك الانحطاط، خروجا لا متحكم فيه، ويفرز منك الشطط حتى تستفحل آثاره استفحالا لا غالب عليه، وإني قياسا على ما أنا فيه أرى مشهدين طريفين يشكلان ما أحياه من فلسفة عملية، أو كوميديا سوداء في بلاط شائه.

أول المشاهد كان بطلاه الفنانين عبد الفتاح القصري وإسماعيل ياسين، إذ أوصلا منه رسالة دون عمد أو ترصد بأن أفعال البشر المنحطة، ربما لا تكون من مستنقع القبح والشر، بل قد يكون مبعثها جهلا لا علم فيه، وقلة فهم لا مثيل عليها.. المشهد من فيلم «ابن حميدو» كان يفاخر فيه عبدالفتاح القصري بنفسه فيقول منتفشا: أنا المعلم حنفي أنعم وأكرم، فيتساءل إسماعيل ياسين في سذاجة: أنعم وأكرم ده يبقى والدك؟، لتثور ابنة القصري في الفيلم وتعترض بقولها: «شوف القباحة يابا!»، فيرد الأب قائلا: «دي مش قباحة يا بنتي.. ده جهل بعيد عنك»!

وإلحاقا لتلك الكوميديا، فإني كنت مقتنعا تماما – في الوسط الصحفي - أن «النفاق» ردة أخلاقية، وأن فاعله يستحق الحرق حيا.. كانت هذه قناعاتي حتى جاءتني رسالة نصية على هاتفي تمتدح مقالي الأخير وتشد على يدي في مواجهة ما اعتبرته صاحبة الرسالة «فساد حكومي» يستحق وقفة من رجل شجاع مثلي، وطلبت مني، بعد وصلة المديح، أن أوفر فرصة عمل لها، عندها فقط اكتشفت أن النفاق ليس سيئا للدرجة التي حسبتها!

وإن هذه المواقف – الكوميدية المبكية - لتعلمني متى أقترب من الجهل، فأجهل على نفسي، و«أضحك عليها»، ومتى أبتعد فأتشبث بما أوتيت من مبدأ، وأنا في هذا كمن يتأرجح على درجات للجهل ابتعادا وقربا.. وأنا عامدا أقترب من الجهل وأبتعد كأنما أستدفئ بالنار من وجع البرد، وأخشى في الوقت نفسه الاكتواء بلهيبها.

مشهد عبثي آخر

في مسرحية المتزوجون، يقول سمير غانم شارحا تفاهة عمل المنجد بخفة دم باهرة: «وهو المنجّد بـ يعمل إيه يعني؟ بـ ياخد القطن من هنا يوديه هناك، وخلاص». وبالحق أقول، إن الأعمال في كل حقل نجاح، تحتاج، من الفاهم العارف المطوّر، إلى جهد وعمل، وخبرة وحنكة وحكمة، وإلا ستخرج كما تخرج «الوسادة المعوجة»، لا تُرح نائما، ولا تنفع متطلبا للاتكاء.

لكني كذلك، بالحق ذاته أقول، إن المتنطع المتواكل سيئ الفهم، ضعيف التطور، الناقل بغير حرفة، والناطق بغير تعقل، أصبح عمله الآن، لا يزيد عن إنه «بـ ياخد القطن من هنا يوديه هناك»!.. لكنه رغم ذلك كله يحيا حياة الضباع في مقبرة الأفيال، أو حياة «صبي عربة الفول»، الذي لا يجيد صنعة تقديم الأكل، ولا يحسن تنظيف الأطباق، ومع ذلك مستمتع بالمرعى و«اليومية».

كل ما يعذبني – بعد كل تلك الكوميديا - أنني عايشت بنفسي ما هو أفدح: من يصعد على أكتاف أصحاب الكفاءة، يتسلق كـ الحية، قبل أن يلدغهم ليتحدث بعدها عن كونه «إبراهيم»، الذي هدم الأصنام، وهناك من سلك كل سبيل للعهر، ليتحدث بعدها عن شرف الوصول، وضريبة نجاح النابغين الأكفاء، وآخر يتحدث عن عذابات المهنة وويلات الحروب الإعلامية التي خاضها، رغم أنه لم يمارس المهنة أصلا وكل تاريخه فيها راجع لوالدته التي أدخلته الحقل التليفزيوني بـ«كارت توصية»، وإني آمل وسط كل ذلك الغم، في النجاة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً