أحمد إيهاب يكتب: ماذا تعني عملية تحرير سعر الصرف وفوائدها الاقتصادية؟

أحمد إيهاب مستشار قانوني وباحث سياسي
أحمد إيهاب مستشار قانوني وباحث سياسي

تابعنا جميعا خلال الساعات الماضية قرار البنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة بنسبة 6 بالمائة دفعة واحدة، أي نحو 600 نقطة أساس، ذلك القرار الذي تسبب في حالة من الجدل والارتباك بين أبناء الشعب المصري نتيجة التخوف من أن تتفاقم أزمة الأسعار التي تعاني منها الأسواق المصرية مؤخرًا أكثر مما هي عليه، وهو تخوف مشروع وصحي للغاية، لكننا نود أن نوضح أن عملية تحرير سعر الصرف أو كما يُطلق عليها تعويم الجنيه حاليًا في ظل توافر سيولة دولارية مناسبة وضعها مختلف تمامًا، ولا يوجد أي داعي للقلق أو التخوف، فتلك الخطوة هي أول خطوة على طريق الإصلاح الاقتصادي السليم.

ولا يخفى على أحد أن الضغوط على الجنيه المصري تراجعت بشكل كبير بعد إبرام صفقة رأس الحكمة، وبعد اقتراب سعر الدولار في السوق الموازى مع سعر الصرف الرسمى، حيث تراجع سعر الدولار في السوق السوداء لما دون الـ40 جنيها.

كما تراجعت المضاربات في الدولار في السوق السوداء خلال الأسابيع الماضية، لعدة أسباب كان من أهمها توافر حزمة كبيرة من الدولارات لدى البنك المركزى كحصيلة من صفقة رأس الحكمة البالغ قيمتها 35 مليار دولار، وكذلك للحملات الموسعة التي قامت بها الأجهزة الأمنية والرقابية لضبط المضاربين في الدولار والعملات الأجنبية في السوق الموازي، وهو مانتج عنه تراجع سعر الدولار في السوق الموازي لما يزيد عن 25 جنيها، وهو ما يؤكد أن سعر الدولار في السوق غير المصرفي لم يكن يعبر عن أي سعر حقيقي.

وأصبح هناك تقارب كبير بين سعر الدولار في السوق الموازي وفي البنوك والفارق أصبح أقل من 10 جنيهات، وهو ما سمح باتخاذ قرار تحرير سعر الصرف الآن ليكون معبرا عن القيمة الحقيقية للجنيه المصري.

والتسعير العادل للجنيه الآن بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وبعد صفقة رأس الحكمة، لن تكون له أي تأثيرات على الأسعار في الأسواق، لأن هناك انخفاضا كبيرا في أسعار جميع المنتجات خاصة المواد الغذائية، خاصة مع توجيه الرئيس للحكومة للإفراج عن المنتجات المحتجزة في الموانئ كالمواد الغذائية والأدوية ومدخلات الإنتاج الصناعي، كما أن السعر العادل للجنيه سيسهم في انخفاض الأسعار بشكل أكبر وسيسهل توفير الدولار من البنوك للمستوردين والمصنعين للإفراج عن باقي المنتجات الموجودة في الموانئ، وهو ما ستكون له آثار إيجابية على انخفاض كل السلع والمنتجات.

وسينتج عن التسعير العادل للجنيه، القضاء نهائيا على السوق الموازي، وتدفق كبير للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وسيساعد في حسم برنامج التمويل المتوقع مع صندوق النقد الدولي، وهو ما سيزيد من عوامل الثقة في الاقتصاد المصري على مستوى العالم.

والمتابع للقرارات يعلم جيدا أن هذه القرارات لم تتخذها القيادة السياسية إلا بعد تعافي الاقتصاد المصري وبدء تحركه في مسار أكثر تعافيا واستقرارا، شعور كافة قطاعات المجتمع بذلك فعليا من بدء تراجع الأسعار في الأسواق.

وما يؤكد ذلك أن القيادة السياسية حين رفضت منذ 9 أشهر تحرير سعر الصرف بناء على طلب من صندوق النقد الدولي، كان وفق قناعة تامة أن الاقتصاد المصري غير مؤهل فعلا لاتخاذ هذه الخطوة في ظل النقص الدولاري الذي كان موجودا، لكن مع توافر المدخلات الدولارية بشكل كبير ومع اتخاذ حزمة كبيرة وواسعة من إجراءات الحماية الاجتماعية، وتقارب سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق السوداء مع سعر الصرف الرسمي، ومع التراجع الملحوظ الذي بدأنا نشهده في أسعار المنتجات، لن يكون لتحرير أو تحريك سعر الصرف أي آثار سلبية على الأحوال المعيشية للمواطن المصري.

ولذلك فإن وضع سعر عادل للجنيه سينتج عنه عودة تدفقات تحويلات المصريين في الخارج من العملات الأجنبية وزيادة تدفقات النقد الأجنبي رسميا للسوق الرسمي في البنوك، وتحسن التصنيف الائتماني لمصر بما يسهم في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وسيسرع من إبرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بما قيمته من 15 إلى 20 مليار دولار، كما سيكون له أثر إيجابي على زيادة حجم الصادرات المصرية، من المنتجات السعية وغير السلعية، وسيسهم في زيادة الطلب على المنتجات المصرية لأنها تكون أرخص من مثيلاتها، وسيسهم ذلك في تحقيق مستهدفات الدولة في هذا الدعم والتمويل.

وسيؤدي السعر العادل للجنيه إلى استقرار ميزان المدفوعات المصرية في الوصول بالصادرات المصرية إلى 145 مليار دولار خلال الست سنوات القادمة وفقا لوثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري، وسيكون له أثر إيجابي على زيادة حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث يسهم في تحديد الجدوى الاقتصادية للمشروعات التي ينوى المستثمرون ضخ استثماراتهم فيها داخل الاقتصاد المصري والمساهمة في تحقيق المستهدف وفقا لوثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري 2024-2030.

وسيكون للقرار أثر إيجابي على زيادة خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة نتيجة زيادة حجم الإنتاج المدفوع بزيادة حجم الصادرات المصرية، إلى جانب زيادة حجم التدفقات الاستثمارية المباشرة في إقامة مشروعات إنتاجية أو خدمية جديدة، وبالتالي زيادة الطلب على العمالة وتوفير فرص عمل تسهم في تراجع معدل البطالة وبالتالي إيجاد دخول مناسبة للمواطنين تسهم في تحسين حياتهم المعيشية.

كما سيكون له أثر إيجابي على قطاع السياحة حيث إن انخفاض قيمة العملة الوطنية يسهم في زيادة أعداد السائحين الوافدين إلى مصر للاستمتاع بكافة الخدمات السياحية والفندقية بتكلفة أقل عن مثيلاتها في أي دولة أخرى، وبالتالي يساعد في الوصول إلى تحقيق المستهدف في إيرادات قطاع السياحة وفقا لوثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري خلال الست سنوات القادمة إلى ٤٥ مليار دولار في عام 2030.

وسيعمل تحرير سعر الصرف على زيادة حجم الاحتياطي النقدي والأجنبي لدى البنك المركزي المصري نتيجة لزيادة تدفقات إيرادات الصادرات المصرية وإيرادات قطاع السياحة وارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يعطى الأريحية والملاءة المالية القوية للاقتصاد المصري في الوفاء بالتزاماته وتعهداته الدولية من فوائد واقساط الديون وبالتالي تعزيز سمعة وثقة الدولة المصرية أمام المؤسسات المالية والدولية وارتفاع التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري، مما يعنى ثقة أكبر في قوة ومرونة الاقتصاد المصري على قدرته على توليد إيرادات مستدامة واقتصاد متنوع ينمو ويزداد وبالتالي ثقة أكبر للمستثمرين في مناخ الاستثمار في مصر.

كما أن تنفيذ سياسة تحرير سعر الصرف سيكون له أثر إيجابي وحاسم في القضاء على السوق الموازي للدولار، وبالتالي التحكم بشكل أكبر وفعال في ارتفاع الأسعار، والتي بدأت بالفعل في التراجع، وبالتالي المساهمة في تراجع معدل التضخم وعدم تآكل القوة الشرائية للمواطن المصري في ظل اهتمام الدولة المصرية بتخفيف الأعباء التضخمية وآخرها حزمة القرارات الاجتماعية من زيادة الأجور والمرتبات وزيادة المعاشات وتكافل وكرامة ورفع حد الإعفاء الضريبي، وكلها أمور تزيد من النقد المتاح لدى المواطنين لتوجيهه نحو الاستهلاك في الأسواق وبالتالي انتظام الدورة الاقتصادية.

أحمد إيهاب المحامي والباحث السياسي

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً