الحقيقة التى علينا أن نجليها تجلية تزيل عنها كل شك، وتعصمها من كل ريب، أن منطقتنا العربية تعيش فترة توتر غير مسبوقة فى تاريخها، بل يعاد كتابة تاريخ جديد على خرائط جغرافية جارى تشكيلها، وللأسف للمرة الأولى فى التاريخ الإنسانى الذى نرى فيه شعوبا تدمر أوطانها من الداخل دون تدخل آليات ومعدات عسكرية معادية، بعد أن نجح أعداء هذه الأوطان فى سلب وعى شعوبها بوسائل عدة، لسنا فى حاجة إلى سردها بعد أن تجسدت نتائجها فى واقع آليم نعيشه بكل تفاصيله.
ويفقد الإنسان الوعى إما بواسطة عقاقير أو مواد مخدرة، كما يعتبر العلماء أن النوم فقدان للوعى ولكنه فقدان غير مكتمل، فالنائم يستيقظ بدرجات متفاوته من التنبه حسب درجة فقدان الوعى، وما حدث فى 25 يناير كان فقدانا جزئيا للوعى، وندلل على ذلك رؤية أحد الشباب يحتفل بإحتراق المجمع العلمى، ونحمد الله أن فقدان الوعى الذى أصاب بعض فئات الشعب المصرى لم يكن بالدرجة التى تمنع الاستيقاظ فى 30 يوينو، واستعادة الوعى واجتذاب الوطن من على حافة سقوط حقيقية، والبدء فى معركة تحرر وطنى وبناء جمهورية جديدة.
وبالنظر إلى سوريا العروبة بعد سنوات هدوء، عادت خفافيش الظلام لاستكمال مخطط إسقاط الدولة وتقسيمها، والذى يتبعه بالضرورة طمس لهوية دولة يمتد تاريخها إلى آلاف السنين، ومحو أى بصمات حضارية قد تمكن أى جيل من الشعب لاستعادة جغرافيته القديمة وإعادة بناء تاريخه، الأمر الذى يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الخفافيش ماضية فى تنفيذ أهدافها فى المنطقة وفى القلب مركز ثقلها وقلبها النابض مصر، الأمر الذى يعنى أن الشعب الذى استيقظ فى 30 يونيو وأسقط دولة الإخوان سيظل فى مرمى راجمات قصف العقول ومعدات التجهيل وتغييب الوعى طمعاً فى لحظة مناسبة كتلك التى حظى بها هؤلاء فى 25 يناير عام 2011.
بناء على ما سبق وبعد رؤية ثمار الحروب الهجين التى تستهدف القطاع المدنى، فى حروب غير تقليدية تعتمد على التكنولوجيا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وعبقرية وسائل التواصل الإجتماعى المرعبة فإننا فى أمس الحاجة إلى هيئة قومية لرفع الوعى، على غرار الهيئة القومية لمحو الأمية وتعليم الكبار، فرفع الوعى القومى لدى المواطن فى هذه الفترة الحرجة لا يقل أهمية عن تعلم القراءة والكتابة، بل تفوقها.
فمصر دائماً وأبداً هناك عدو بعينه يتربص بها ويحلم ويعمل على سحقها، كما قال الدكتور جمال حمدان فى موسوعته الخالدة "شخصية مصر"، ويمكن لهذه الهيئة أن تتشكل بناء على قرار من مجلس الوزراء ويتم إعداد هيكل إدارى لها، وفروع فى جميع المحافظات، والاستفادة من بعض منشآت هيئة تعليم الكبار أو وزارة التضامن الاجتماعى، وإعادة استخدام بعض آليات محو الأمية التى اعتمدت عليها فى فترة من الفترات مثال ذلك جنود القوات المسلحة فى القرى والأقاليم.
يرجع التفكير فى إنشاء مثل هذه الهيئة لعدة أسباب منها، توحيد الجهود بين جميع مؤسسات الدولة التى تعمل على رفع الوعى بداية من الإعلام مروراً بالتعليم وصولاً إلى المؤسسات الدينية، ومواجهة فلول الإخوان الطابور الخامس الكامن فى الجهاز الإدارى للدولة، بالإضافة إلى زرع الأمل فى نفوس المواطنين وتعبئتهم وطنياً لمواجهة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الحرب الشرسة المنزوعة السلاح، وهذا يستدعى بالضرورة وجود هيكل إدارى من كل فئات الدولة المصرية، مع الاعتماد فى الشق الأكبر منها على العمل التطوعى حتى لا تتحول إلى هيئة بيروقراطية لا تحقق أهدافها.
بناء على ما تقدم، وبناء على الكثير الذى لا يسعه مقال رأى، فأذكر نفسي والجميع أن الأوطان مثلها مثل المياه، فى سهولة الحصول عليها، فالمياه تسقط من السماء بلا جهد، والأوطن نرثها دون عناء، ولكن بفقدان أحدهما تضيق بنا الدنيا بما رحبت، فاذا كانت المياه ضرورة للحياة، فالوطن ضرورة للبقاء.