في السنوات الأخيرة، لم يعد الحديث عن المرأة أمرًا عاطفيًا أو ثانويًا، بل صار ضرورة اجتماعية وواقعية، خاصة في ظل الارتفاع الملحوظ في حالات الطلاق، وانتشار العلاقات السامة، وانهيار كثير من القيم التي كانت تمثل صمّام أمان للأسرة والمجتمع.
اليوم، المرأة المصرية تجد نفسها في مواجهة معقدة: ضغوط نفسية، مسؤوليات أسرية متراكمة، ومطالب اقتصادية تفوق طاقتها، وكأنها مطالبة بالقيام بدور يفوق الطبيعة البشرية.
المأزق الاقتصادي والنفسي
أكثر ما يجعل المرأة تخضع للاستمرار في علاقة سامة هو الاعتماد المالي على الزوج. لا تملك دخلًا مستقلًا، ولا تجد غالبًا من يقف بجانبها، فتصبح أسيرة الشعور بالعزلة والمهانة والضغط النفسي. وفي كثير من الحالات، نجد الزوج يرفض منحها أبسط حقوقها، وهو يدرك تمامًا أنها بلا سند؛ فالأب والأم قد رحلوا، والأهل قد غابوا، ولم يبقَ لها إلا الله. هذا المأزق يولّد إحساسًا بالهوان، ويضعها في خانة الأقلية، بلا حماية ولا دعم حقيقي.
تضارب الأدوار المستحيلة
المعضلة الأكبر أن المرأة اليوم مطالبة بأن تكون زوجة صالحة، وأمًا صالحة، وربّة منزل مثالية، وعاملة لتأمين نفسها اقتصاديًا، وفي الوقت نفسه مهتمة بمظهرها وأنوثتها. لكن هل يستطيع بشر أن يؤدي كل هذه الأدوار بالكمال المطلوب؟
الحقيقة أن خوف المرأة على مستقبلها وأمانها المادي يدفعها أحيانًا إلى التفكير في العمل، لكنها تدفع الثمن من وقتها وصحتها النفسية، بل ومن جودة رعايتها لأبنائها. وهنا تبدأ حلقات الضغط تتسع: البيت يتأثر، الأطفال يتأثرون، وحتى هي نفسها تنسى أنها “أنثى” لها حقوقها وكيانها.
الزوج بين التطلعات والمغريات
في المقابل، نجد أن كثيرًا من الأزواج — وليس جميعهم — صاروا يعيشون بتطلعات غير واقعية، يتطلعون دائمًا إلى ما هو أبعد، إلى امرأة أخرى، أو إلى صورة مثالية لا وجود لها. ومع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، تضاعفت المغريات:
• الرجل يواجه محتوى يحرك غرائزه ويشجعه على التلاعب والبحث عن بدائل.
• والمرأة تواجه برامج وخطابات تحثها على الصدام والمواجهة باسم الاستقلالية والقوة.
وفي هذه الدوامة، يضيع التوازن بين الطرفين، ويضيع البيت. والسؤال: هل من المنطقي أن نطالب بامرأة سوية في ظل كل هذه الضغوط والمغريات؟
الأثر على الأسرة والمجتمع
في الماضي، كان الرجل يؤدي دوره كقوّام كما أمر الله، يعمل ويؤمّن البيت، وكانت الزوجة تؤدي دورها كزوجة وأم وربّة منزل، في ظل توزيع متوازن للأدوار يخلق أمانًا واستقرارًا. أما اليوم، فقد اختل هذا الميزان: المرأة مضطرة للعمل لتأمين نفسها، وفي المقابل لا تجد دائمًا الرجل القائم بدوره كما ينبغي. النتيجة أن الأمان الأسري أصبح مفقودًا، وأصبح خروج أجيال غير متوازنة أمرًا شائعًا ومقلقًا.
دور الدعم والمجتمع
المسؤولية هنا ليست على المرأة وحدها، بل على المجتمع كله. الدعم لا يجب أن يُختصر في الصديقات أو مجموعات الدعم الافتراضية، بل يجب أن يشمل مؤسسات قانونية، جهات متخصصة، واستشارات نفسية حقيقية. لا بد من وجود آلية تحمي المرأة التي تُجبر على حياة مهينة مع زوج سام، وتعيد لها كرامتها، وتوفر لها شبكة أمان اجتماعية واقتصادية.
الوعي الذاتي والإرادة
ومع ذلك، يبقى وعي المرأة بذاتها حجر الأساس. أن تحب نفسها، أن تضع حدودًا واضحة، أن تعرف متى تطلب الدعم، وأن تتعلم التوازن بين بيتها وعملها، بين دورها كأم وحقها كإنسانة. هذا ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء. نعم، الشفاء النفسي والعاطفي يحتاج إلى وقت، لكن الإيمان والإرادة والدعم المناسب يجعلونه ممكنًا.
الخاتمة: أسئلة بلا إجابة جاهزة
المرأة ليست مجرد ضحية للظروف، لكنها تحتاج إلى مجتمع أكثر وعيًا وعدلًا. التحدي الحقيقي أمامنا جميعًا هو:
• كيف نعيد التوازن بين الأدوار التقليدية والحديثة للرجل والمرأة؟
• من المسؤول عن خلق بيئة تمكّن المرأة من أن تكون زوجة وأمًا وعاملة في الوقت نفسه دون أن تنهار؟
• كيف نواجه سيل المغريات والإغراءات التي تضرب استقرار الأسرة من كل اتجاه؟
• والأهم: كيف نحمي أطفالنا ليكونوا أجيالًا سوية قادرة على مواجهة هذا المجتمع الصعب؟
هذه ليست نهاية النقاش، بل بدايته. وما لم نطرح هذه الأسئلة بجدية ونبحث عن حلول واقعية، ستظل الأسرة مهددة، والمرأة ممزقة بين أدوار متناقضة، والمجتمع كله في خطر.