لم يعد السؤال عن “لماذا يمل الرجل من زوجته بعد الزواج؟” مجرد حديث جانبي بين النساء أو على منصات التواصل، بل صار قضية اجتماعية خطيرة ترتبط بمصير الأسرة المصرية والعربية كلها. فما الذي تغيّر؟ ولماذا كنا نرى الزيجات قديمًا تمتد لعقود طويلة، بينما اليوم تنهار في سنوات قليلة؟
الرجل بين السعي والامتلاك
كثير من الرجال يبذلون جهدًا عاطفيًا ونفسيًا كبيرًا للوصول إلى المرأة التي يحبونها، لكن بمجرد أن تصبح زوجة أو خطيبة رسمية، يتراجع الشغف ويخفت الحماس. هذه الظاهرة لها جذور نفسية؛ إذ ترتبط بفكرة أن اللذة في “المطاردة والسعي” لا في “الامتلاك والاستقرار”.
لكن المشكلة لا تتوقف هنا: الرجل أحيانًا لا يدرك أن الزواج ليس نهاية القصة بل بدايتها، وأن الشغف يحتاج إلى رعاية دائمة مثل أي كائن حي، وإلا مات.
الزوجة بين الترقب وانتظار المبادرة
على الجانب الآخر، تقع بعض الزوجات في خطأ متكرر: الانتظار الدائم لمبادرة الرجل في كل شيء — في الحب، في الاهتمام، في المصالحة. وهكذا تتحول العلاقة إلى سكون قاتل؛ الرجل صامت، والمرأة مترقبة، والبيت يبرد. الحقيقة أن الزواج شراكة، ولا يحق لطرف أن يتخلى عن دوره في إنعاش العلاقة.
لماذا اختلف المجتمع؟
هنا نعود إلى سؤال جوهري: لماذا كانت الزيجات قديمًا أطول عمرًا وأكثر صمودًا؟
• قديمًا كان هناك ثبات في القيم والمعايير؛ الرجل يعرف دوره كقوّام، والمرأة تعرف دورها كزوجة وأم، وكان الاستقرار نابعًا من وضوح الأدوار.
• أما اليوم، فقد جاء الانفتاح الكبير والسوشيال ميديا والإعلام، ليضع الطرفين أمام عالم موازٍ من الإغراءات والتطلعات غير الواقعية. الرجل يرى نساءً مثالية على الشاشات، والمرأة تسمع خطابات تحرضها على مواجهة الرجل باسم القوة والاستقلال.
• المقارنات المستمرة قتلت الرضا: الزوج يقارن زوجته بالممثلة أو المؤثرة، والزوجة تقارن زوجها بصورة “الزوج الرومانسي المثالي” التي تراها في الدراما.
تأثير السوشيال ميديا والإعلام
لا يمكن إنكار دور الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في إعادة تشكيل مفاهيم العلاقات:
• الرجل أصبح محاطًا بصور ومواد تستثير الغريزة وتشجعه على البحث عن بدائل.
• والمرأة أصبحت مستهدفة بخطابات تحفزها على الصدام بدلًا من التفاهم.
• والطفل والمراهق يواجهان محتوى مشوّهًا يسلب منهما براءتهما، ويشكّل وعيهما على أنماط لا تشبه الواقع.
الأمان المفقود والضغط الاقتصادي
العامل الاقتصادي يضاعف الأزمة؛ كثير من النساء مضطرات للعمل خوفًا من فقدان الأمان المادي، فينعكس ذلك على تربية الأبناء وجودة الحياة الزوجية. وفي المقابل، يجد الرجال أنفسهم تحت ضغط مادي ونفسي لا ينتهي. بين هذه الضغوط، تضيع لحظات الدفء، ويُنسى أن البيت بحاجة إلى “مودة ورحمة” أكثر من أي شيء آخر.
كيف نحمي الأسرة؟
الحماية ليست وصفة سحرية، لكنها خطوات لا غنى عنها:
• الوعي الديني والأخلاقي: إعادة بناء القيم على أن الزواج ميثاق غليظ يقوم على الرحمة قبل الحقوق والواجبات.
• المصارحة بين الزوجين: لا مجال للصمت والانتظار؛ النقاش الصادق هو صمام الأمان.
• التوازن في الأدوار: لا يجوز أن تتحمل المرأة كل الأعباء وحدها، ولا أن يتخلى الرجل عن مسؤوليته كقوّام.
• الرقابة الواعية للأبناء: الأطفال هم الضحية الأولى إذا تُركوا نهبًا للسوشيال ميديا بلا ضابط أو توجيه.
الأسئلة تظل معلقة:
• كيف نحمي الرجل من الفتن التي تحيط به من كل اتجاه؟
• كيف نحمي المرأة من الضغوط التي تنسيها أنوثتها وتكسرها نفسيًا؟
• كيف نعيد للزواج مكانته كرحلة حياة مشتركة، لا مجرد عقد ينتهي بالشعور بالملل؟
• وكيف نربّي جيلًا جديدًا قادرًا على مواجهة هذا الانفتاح بلا انهيار؟
إنها ليست قضية فردية، بل قضية مجتمع بأكمله. وما لم نواجهها بوعي ومسؤولية، سيظل الأمان مفقودًا في الأسرة، وستبقى بيوتنا مهددة بانهيار صامت لا نراه إلا بعد فوات الأوان.