في زاوية شارع فيصل، حيث تصطدم أقدام المارة بأحلامهم اليومية، يقف الفنان التشكيلي حسن سلومة، هادئًا، وكأن الزمن توقف عند يديه. كل لوحة منه، كأنها تهمس للحياة بغير صوت، تتحدى من يمرّ بجانبها أن يقرأ أسرارها بسرعة، فلا هي تمدّ يديها للتصفيق، ولا ترقص لأضواء الكاميرات.
هنا، بين الأرصفة والشجر الهامس، تتحوّل ألوانه إلى نغمات صامتة، تجعل من المشهد كله سيمفونية صبر ومثابرة. لا أحد يلتفت إلا لمن عرف الفن بروحه، ليس بعينيه فقط. أما البقية، فتمرّ وكأنهم يمرّون بجانب نافذة مغلقة على كنز لا يراه سوى من يستحقه.
كل ركن من ركن هذه الزاوية يتحوّل بوجوده إلى معرض صغير للخيال، حيث لا مكان للمظاهر أو الدعاية، فقط الصمت واللون والحقيقة التي لا تحتاج شهرة لتثبت نفسها.
الفنان التشكيلي حسن سلومة، بوجوده وبألوانه، يذكّرنا أن الفن لا يُشترى ولا يُباع بالأنظار، بل يُشعر به، يُحسّ، ويُحبّ بصمت. لوحات تتناثر على الرصيف كما تتناثر الأفكار عند الغروب، لكنها تبقى، كما يبقى الشارع، شاهدة على صمود الجمال وسط صخب المدينة، وعلى قدرة الإنسان العادي، مثل حسن، أن يحوّل الرصيف إلى حكاية، والعابرين إلى قرّاء صامتين لأسرار الحياة.
أمام هذه اللوحات، يقف المارون لوهلة، وكأنهم اكتشفوا سرًا صغيرًا، أن الجمال لا يحتاج إلى صالونات فخمة أو محفظات ثقيلة ليعلن حضوره. حسن سلومة، بهدوء رجل عادي، يترك الألوان تتحدث بصمتها الخاص، همسات خفية بينه وبين المدينة، بلا مدحٍ أو استعراض.
كل خط يرسمه، وكل لون يسكبه، يحمل رسالة لا تُقرأ بالكلمات، بل تُحسّ بالروح، قصة عن شارع فيصل الذي يتنفس صخب المدينة وهدوءها معًا، عن الناس المسرعين، وعن ضوء الصباح الذي ينساب بين السيارات ويلمس العيون العابرة بلا استئذان.
هنا، يتحول الرصيف إلى مساحة مقدسة للحكايات اليومية، كل لوحة مرآة تعكس المدينة كما تراها روح الفنان، لا كما تريد صالونات العرض أو صفحات المجلات أن تراها. سلومة، بصدق ألوانه، يعلّمنا أن الفن الحقيقي لا يحتاج شهرة، يكفي أن يلتقطه القلب قبل العين.
إنه حوار صامت لكنه عميق بين الفنان والعالم، حيث يفهم من ينظر دون استعجال أن الجمال الحقيقي يسكن التفاصيل الصغيرة، في الزوايا المهملة، في ضوء الشمس على الرصيف، وفي الأنفاس العابرة التي تمر بجانب اللوحات بلا أن يلتفت إليها أحد.
بينما ينفق البعض ثرواتهم على الدعاية لأنفسهم، يقف حسن سلومة على ناصية شارع، هادئًا، كأنه يحرس سرًا قديمًا: أن الفن هو المعلم الوحيد الذي لا يخون. هنا، لا مسرحيات ولا شعارات، لا موضة فنية تسرق الأنظار، ولا مسابقات للعين تبحث عن الإعجاب السريع.
فقط اللون والفرشاة، والروح التي تتحدث لمن يريد أن يسمع، لمن يعرف أن الفن لغة صامتة، لكنها أعمق من أي كلام. كل لوحة منه دعوة للتأمل، لكل من يمر بجانبها، كي يكتشف أن الجمال الحقيقي لا يُعرض ولا يُباع، بل يُحسّ ويُعاش، كنسيم الصباح الذي يمر بين أقدام الناس دون أن يلاحظه معظمهم، لكنه يترك أثره في القلب.
سلومة هنا، في زواية شارع فيصل، يحوّل الرصيف إلى مدرسة، والصمت إلى موسيقى، واللون إلى حديث أزلي بين الفنان والعالم. هنا لا شهرة تزين الجدران، ولا إعلان يسرق الأنظار، ولا تضخيم يعلو فوق الحقيقة. فقط الصدق المطلق، الذي يهمس لنا أن الجمال أحيانًا يختبئ في أبسط الأماكن، في تفاصيل صغيرة، وفي زوايا مهملة، لمن يملك الجرأة على النظر ببطء، والاستماع بعين الروح قبل العين.
لقد تعلمت من حسن سلومة أن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى تصاريح، ولا يُشترى بإعجاب الناس أو المال. إنه يتحدى الزمن بصمت، ويصمد أمام ضجيج المدينة، ويذكّرنا أن العبقرية أحيانًا لا تحتاج إلى صالونات فخمة أو قاعات عرض، بل إلى رصيف بسيط وناس يمرون في لحظة توقف قصيرة، ليكتشفوا أن الجمال موجود، حتى في أضيق الشوارع، وفي أبسط الزوايا، حيث يلتقي اللون بالروح، والحياة بالخيال.
الفنان احمد حسن سلومة