في قلب مدينة القاهرة، حيث تصطف المباني القديمة بجوار الحدائق الجامعية، يقف شاب يافع، لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، لكنه حمل في صدره شغفاً يفوق عمره بخطوات، ويختزن في عينيه حلم المسرح والغناء الجامعي. اسمه محمود عبد الفتاح محمود، طالب في كلية السن بجامعة عين شمس، لكنه أصبح منذ سنوات قصيرة اسماً يتردد في أروقة المسرح الغنائي الجامعي، ليس بصفته مجرد ممثل، بل كواحد من أولئك الذين يصنعون لحظاتهم الخاصة على خشبة المسرح، بطريقة تبقي أثرهم في الذاكرة.
لم يكن محمود مجرد شاب عادي يشارك في عروض جامعية، بل كان يختار أعمالاً تتطلب جرأة فنية وعمقاً تمثيلياً، من عرض 'سطوح 56'، الذي جمع بين الإثارة الإنسانية والصراع الداخلي للشخصيات، إلى عرض 'أحدب نوتردام'، حيث جسد المشاعر المعقدة للشخصيات بأسلوب متقن، متمكناً من لغة الجسد والتعبير الصوتي، ليخلق تجربة تشبه سحر الرواية على خشبة المسرح. ثم جاء دوره في عرض 'جرارين السواقي'، الذي قُدم في كلية السن عين شمس، ليؤكد قدرته على المزج بين الأداء الكلاسيكي والحديث، بين الحكاية الشعبية والأسلوب الجامعي العصري.
ولم يقتصر اهتمام محمود على الأداء الفردي فقط، بل كان جزءاً من المؤسسة الفنية لجامعة عين شمس، حيث اختير ضمن منتخب المسرح الغنائي للمشاركة في مهرجان 'إبداع'، الحدث الذي يضع الشباب الموهوبين تحت الأضواء، ويمنحهم فرصة لإظهار براعتهم أمام لجنة تحكيم من أساتذة الفن والمهتمين بالمسرح. هنا، لم يكن محمود مجرد مشارك، بل كان واجهة تمثل روح الجامعة على خشبة المسرح، الصوت الذي يجمع بين الموسيقى والكلمة والحركة.
ما يميز محمود هو التزامه الفني والقدرة على الانغماس في الشخصية التي يؤديها. في العروض التي شارك فيها، يلاحظ أي متابع كيف يتحرك على الخشبة وكأنه يعيش في قلب النص، وكأن كل جملة يلفظها وكل إيماءة يقدمها تحمل في طياتها حكاية كاملة. إنه الأداء الذي يلمس روح المشاهد قبل عينيه، الأداء الذي يجعل المسرح ليس مجرد مكان للعرض، بل فضاء للعيش والتجربة المشتركة.
ورغم صغر سنه، يظهر في محمود إدراك عميق لمفاهيم المسرح والغناء الجامعي، وهو ما جعله محط اهتمام زملائه ومدرسيه على حد سواء. فهو لا يكتفي بالمشاركة، بل يسعى دائماً لفهم الدور الذي يلعبه كل عنصر في العرض، من الإضاءة إلى الحركة إلى الموسيقى، معتمداً على دراسة دقيقة للنصوص ومحاولة لفهم الشخصيات حتى أبعد حدودها الإنسانية.
وبينما يعكس محمود روح الشباب الجامعي، فإنه في الوقت نفسه يعكس هدوءاً وثقة نادرة، تتيح له مواجهة التحديات الفنية والمسرحية بروية، دون أن تفقد عروضه حيويتها أو جرأتها. إنه صوت الشاب الذي يعشق الفن، ولكنه يعي تماماً أن المسرح ليس مجرد عرض لحظة، بل تجربة متكاملة تحتاج إلى صبر، وإبداع، وانضباط.
إن متابعة مسيرة محمود في هذه الفترة القصيرة تكشف عن شغف متجذر، وحب للتجربة الفنية بعيداً عن المجاملات أو الرغبة في الشهرة. كل عرض يشارك فيه يحمل بصمته الخاصة، وكل شخصية يؤديها تشهد على قدراته المتعددة، سواء في الأداء التمثيلي أو في الغناء المسرحي، أو حتى في التعاون مع فرق العمل المختلفة، التي يجد فيها محمود فرصة للتعلم والنمو الفني.
محمود عبد الفتاح محمود ليس مجرد اسم ضمن قائمة المشاركين في مهرجان 'إبداع'، بل هو نموذج لشاب مصري يرفض أن يكون مجرد متفرج على المسرح الجامعي، ويصر على أن يكون جزءاً من صناعة الحكاية، جزءاً من إيقاع الأداء، جزءاً من تجربة الجمهور الذي يتفاعل مع كل حركة وكل نغمة. إنه الشاب الذي يجعل من كل عرض قصة، ومن كل أداء لحظة لا تُنسى، ومن كل نص فرصة للإبداع.
ومع كل هذه الإنجازات المبكرة، يبقى السؤال الأهم عن المستقبل: كيف سيواصل محمود رحلته الفنية بعد الجامعة؟ كيف ستتطور موهبته لتشمل المسرح الاحترافي أو الإنتاج الموسيقي؟ الإجابة تبدو واضحة في شخصيته وإصراره: أي طريق يختاره محمود، سيكون حتماً طريقاً تتخلله الجرأة والإبداع، طريقاً يضعه بين المبدعين الذين يتركون بصمة في المشهد الفني المصري، كما ترك تأثيره حتى الآن على خشبات الجامعة وعروضها المسرحية الغنائية.
محمود عبد الفتاح