أعطني قلمًا حرًا لا يخاف الأقوياء ويخاف الله! بهذه الكلمات كنا نكتب كل صباح، ندعو الله أن يُلهمنا الكلمة التي تنير دربًا، أو ترفع ظلمًا، أو تكشف حقيقة. والحقيقة يا سادة، أن أجمل وأقسى ما في هذه الدنيا هي 'الناس'. الناس الذين نصادفهم على حافة كل حلم، منهم من يمد يده ليأخذ بك، ومنهم من يمدها ليُسقطك في الهاوية.
وها هي قصة جديدة تفرض نفسها على الساحة، قصة من لحم ودم، من الأسرار الصغيرة التي تختبئ خلف الكواليس اللامعة للمسارح. قصة فنانة شابة تدعى صباح شاكر.
أسمع ضجيجًا خافتًا، وأشعر بالهمسات تدور حول تلك الفتاة التي تطل على الجمهور بوجه لم يُنهكه الزمان بعد، لكن قلبها، يا سادة، يحمل ما لا تحمله قلوب العجائز.
ابنة الدلال الذي لم يأتِ!
من هي صباح شاكر؟ هي فنانة شابة، نعم. ولكنها قبل كل شيء 'بنت'. وحينما نقول 'بنت' خاصة إذا كانت البنت الوحيدة في أسرتها، يذهب الخيال فوراً إلى الصورة المعتادة: الفتاة المدللة التي لا يُرفض لها طلب، الأميرة الصغيرة التي تُفتح لها الأبواب، وتُقدم لها الأماني على طبق من فضة.
كان هذا هو 'المفروض'. كان هذا هو ما تمليه قواعد البيوت التي لا يُنجب فيها الأب إلا 'زهرة' وحيدة. لكن القدر، يا سادة، يسير على غير هوى التوقعات!

العبارة التي تقطع كالسكين
لقد حدث ما لم يكن في الحسبان. فجأة، يتبخر الدلال الموهوم، وتتبدل أحلام الحرير إلى واقع قاسٍ. أبوها رفض أن يعلمها!
تخيل معي هذا المشهد يا سيدي القارئ. البنت الوحيدة، التي يُفترض أن تكون قرة عين والدها، ونور دربه، يضع الأب أمامها جداراً، لا سوراً. جدارًا منيعًا يمنع عنها أثمن ما يملكه الإنسان في هذا العصر: العلم والتعليم.
لا تسألوني عن الأسباب. فالأسباب عادة في مثل هذه الحالات تكون خليطًا مريرًا من التقاليد البالية، أو سوء الفهم القاتل لدور المرأة في الحياة. المهم أن القرار كان قاطعًا مثل صوت الرصاصة: 'لن تذهبي إلى المدرسة'.
في هذه اللحظة، لم تكن صباح شاكر مجرد طفلة مُنعت من حق. بل كانت فكرة كاملة للمستقبل تم إعدامها. أي مأساة تلك، أن يسرق منك أقرب الناس إليك مفتاح الحياة!
من "الدلال المرفوض" إلى "الجهاد الشخصي"
لكن، هل تظنون أن روحاً مثل صباح شاكر، التي تحمل جمرة الفن في صدرها، يمكن أن تستسلم لجدار بناه لها الأب؟ لا والله!
الشخصية القوية لا تتكون في الرخاء والراحة، ولكن تتكون في التجارب الصعبة والآلام.
لقد تحولت حياة صباح من مسار 'الدلال' المتوقع إلى مسار 'الجهاد'. جهاد لا يحمل سيفاً، بل يحمل إرادة لا تُقهر.
فقدت البنت 'المدللة'، فظهرت الفنانة 'المكافحة'.
أُغلِقَ أمامها باب العلم، ففتحت لنفسها ألف باب في دنيا الفن.
عندما يُرفض الإنسان، لا يموت. بل يولد من جديد بشخصية أقوى وأكثر تصميماً. تلك هي حال صباح. عندما منعوها من الكتب، اتجهت إلى 'خشبة المسرح'، حيث لا يحتاج الإنسان لشهادة كي يُثبت وجوده، بل يحتاج فقط إلى موهبة صادقة وإرادة لا تخبو.
ليلة "عرض الاستعراض الأخير"
هكذا وجدت صباح شاكر نفسها في أضواء المسرح، تشارك في عمل مثل 'عرض الاستعراض الأخير' على مسرح نهاد صليحة
وهل تظنون أن هذه المشاركة جاءت بسهولة؟ بالطبع لا. كل نظرة فيها، كل خطوة، كل كلمة، هي ثمن لجهد شخصي مرير. هي دليل على أن هذه الفتاة لم تنتظر أحداً ليأخذ بيدها، ولم تطلب 'الشفقة' من أحد. بل صنعت لنفسها طريقاً في الوقت الذي كان العالم يظن أنها ستجلس تبكي على دلالها الضائع.
صباح شاكر ليست مجرد ممثلة شابة. هي درس في أن 'الرفض' يمكن أن يكون أقوى دافع، وأن 'الإهمال' قد يُنبت بطلة لا تقبل بغير القمة.
إنها فنانة تعرف جيداً أن الحلم يحتاج إلى تضحية، وأن الوصول إلى النور يتطلب عبور الظلام. وحينما تقف على المسرح الآن، لا تشاهدون فقط ممثلة تؤدي دورها، بل تشاهدون إرادة مكافحة مُصممة على أن تصل إلى حلمها، مهما كان الثمن.
فيا صباح، استمري في الإشعاع. فالحياة لا تحترم إلا من يُقاتل من أجل حلمه، وأنتِ يا بنيتي، قد أثبتِ أنكِ من هذا النوع النادر من المقاتلات. وصدقوني، إن الأيام ستشهد لهذه الشابة بأنها خلقت مجدها بنفسها، وقالت بصوت واضح للجميع: 'لن يمنعني أحد من أن أكون كما أريد!'
وغداً سنرى.. من يضحك أخيراً!