شهد الوطن العربي خلال السنوات الماضية، انتشارا مذهلا لظاهرة الحروب بالوكالة، وذلك في ظل ظهور لافت للجماعات الطائفية المسلحة التي استطاعت أن تشكل في وقت قياسي كيانات سياسية مستقلة عن السلطة المركزية للدول.
حروب تميزت بتفكيك دول عريقة لتصبح الدول العربية المكان المفضل لمجمل صراعات القوى الدولية والإقليمية، الهادفة إلى تصفية حساباتها، حيث تحولت الجغرافيا السياسية للوطن العربي إلى ساحة كبيرة لإدارة الحروب بالوكالة، وخاصة مع مطلع الألفية الجديدة.
انتقلت الحروب بالوكالة من صراع تقليدي على تقاسم النفوذ بين الشرق والغرب في سياق الحرب الباردة، إلى حروب أكثر شراسة وتدميرا منذ سقوط حائط برلين وانتقال الصراع من خانة المواجهة ما بين الدول إلى مواجهات داخل الدولة الواحدة، بين فاعلين محليين يخدمون أجندات قوى إقليمية ودولية.
في هذا السياق يرصد 'أهل مصر'، أبرز الدول التي تقام بها الحروب بالوكالة والتي كان آخرهم بين أرمينيا وأذربيجان.
أرمينيا وأذربيجان
جولة الاشتباكات الأحدث بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني قرة باغ (جبال الحديقة السوداء)، أثارت تخوّفات من أن تصبح منطقة جنوب القوقاز ساحة صراع جديدة بين الأطراف الدولية الفاعلة، خصوصا روسيا وتركيا، اللتين تتواجهان في سوريا وليبيا وشرق المتوسط.
يبلغ عدد سكان أذربيجان أربعة أضعاف عدد سكان أرمينيا، إضافة لامتلاكها ميزانية عسكرية كبيرة، فضلا عن الدعم العالمي لها، وأرمينيا بلد فقير، ليست لديه موارد ولا إنتاج، وهو في وضع يعتمد اعتمادا كبيرا على روسيا اقتصاديا وعسكريا وثقافيا، ويتم التعامل معه كأنه مقاطعة روسية.
ولذلك، لا يمكن لأرمينيا أن تسيطر على الأراضي التي تملكها حاليا إلى الأبد، إلا أنها تملك ورقتين رابحتين بالنسبة لها، وهما الموقف الفرنسي والروسي.
تركيا اصطدمت بحضور أمريكي أقوى في ليبيا، وبموقف روسي رافض لتجاوز سرت والجفرة، وفي سوريا ضغطت عليها موسكو في موضوع حصر قواتها في إدلب، وفي شرقي المتوسط ووجهت بموقف أوروبي يهددها بالعقوبات.
صراع أرمينيا وـذربيجان
على الرغم من وجود تركيا وروسيا العسكري واسع النطاق على مختلف الحدود، من غير المرجح أن تدخل تركيا وروسيا في صراع مباشر، ومع ذلك، يمكن لبؤرة توتر مثل الوضع القائم بين أرمينيا وأذربيجان أن تؤدي إلى دفع أنقرة إلى الانخراط بفعالية، مما يفسح مجالا واسعا للكرملين لاستغلال موقف تركيا الحساس.
وتستغل موسكو القيادة الأرمنية على إقليم ناغورنو كرباخ بحكم الأمر الواقع لإشعال فتيل التصعيد العسكري مع أذربيجان، وبالتالي تركيا، ففي نوفمبر 2015 على سبيل المثال، عرض الرئيس باكو ساكيان السماح لروسيا باستخدام مطار خانكندي / ستيباناكيرت في أراضي أذربيجان المحتلة من أجل 'عمليات مكافحة الإرهاب'، ومثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى استثارة باكو وأنقرة، والأمر مماثل بالنسبة إلى استبدال القوات الأرمينية في المناطق المحتلة بـ'قوات حفظ سلام' روسية، وهو سيناريو يشير إليه الكرملين منذ بعض الوقت.
النزاع على إقليم ناغورنو كرباخ، أعاق محور البلاد الموالي للغرب من خلال جعله مستهلكا متعطشا إلى الأمن الروسي، وهو اتجاه من شأنه أن يتصاعد طالما يتفاقم الصراع، كما أن انضمام أرمينيا مؤخرا إلى 'الاتحاد الاقتصادي الأوراسي'، جعلها خاضعة لسوق واحدة تديرها روسيا، في حين أن عضويتها في 'منظمة معاهدة الأمن الجماعي'، وهو تحالف يضم 6 بلدان من الاتحاد السوفياتي السابق، زاد من اعتمادها العسكري على موسكو.
ومن جانبها، كانت أنقرة توثق شراكاتها الاستراتيجية التقليدية في القوقاز منذ عام 2008، عندما رفعت روسيا من مكانتها الإقليمية من خلال الحرب مع جورجيا، وفي عام 2014، بدأ وزراء دفاع تركيا وأذربيجان وجورجيا بعقد اجتماعات ثلاثية.
صراع القوى
وفي العام الماضي، أجرت القوات الجوية التركية والأذربيجانية، أول تدريب مشترك لها باسم 'ترأز كرتلي'، ولم تتردد في تعزيز التعاون القوي في مجال الدفاع القائم بالفعل منذ وقوع حادث إسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية، ومتابعة هذه التدريبات المشتركة مؤخراً باسم 'ترأز شاهيني'.
ويرى محللون أن هذا يطرح تساؤلا حول احتمال استثمار أنقرة قوة أذربيجان لتحريك ملف الإقليم المتنازع عليه من أجل تحقيق مكاسب على حساب الروس والفرنسيين في سوريا وليبيا وشرقي المتوسط، أما روسيا، فتدرك جيدا أنها بحاجة لعلاقات وثيقة مع باكو ويريفان، خصوصا أن الولايات المتحدة تحاصرها في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجورجيا، لذلك فمن غير الممكن لموسكو الانحياز بشكل كامل لتصرفات أرمينيا.
ويرى مراقبون أن نقطة ضعف تركيا في هذا الصراع بين أرمينيا وأذربيجان هي منطقة توفوز، القريبة جدا من الطريق الرئيس لخطوط السكك الحديدية وخطوط الكهرباء التي تمتد إلى تركيا، لافتين إلى أنه في حال دفع روسيا وفرنسا أرمينيا إلى الهجوم على تلك المنطقة، فستتضرر تركيا.
ليبيا
دشنت مرحلة جديدة وخطرة من المواجهة والتصعيد في ليبيا، بعد إرسال أردوغان جنوده إلى طرابلس الغرب؛ الأمر الذي يفسر بشكل واضح قلق مصر واليونان وقبرص وأعضاء من الاتحاد الأوروبي بشأن هذه الخطوة التركية التي تأتي في مرحلة تشهد فيها كثير من دول شمال إفريقيا، توترات سياسية وأمنية، خاصة أيضا أن الدعم التركي المتزايد لميليشيات الإسلام السياسي غربي ليبيا، يمكنه أن يشجع على انتقال مزيد من الجماعات المتشددة من مناطق النزاع في المشرق العربي إلى دول المغرب العربي.
الحرب بالوكالة في ليبيا
وازدادت خطورة الحرب بالوكالة على الأمن القومي العربي خلال السنوات الأخيرة؛ إذ إنه وإضافة إلى المحور الذي كانت تقوده الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة، والذي أفرز العديد من التوترات في المنطقة العربية، فإن المحور القائم بين روسيا وتركيا وإيران، كان له دور بارز في تأزيم الأوضاع وفي إطالة أعمار هذه الحروب.
سوريا
في 2011 اندلع الصراع ما بين نظام دمشق بزعامة الرئيس السوري بشار الأسد والأطراف المتمردة على نظامه في خضم ما يسمى الربيع العربي، وبعد مرور ثمانية أعوام تحول ذلك الصراع إلى حرب متدرجة على مراحل، ما لبثت أن فرخت عدة حروب.
سوريا
فقد دخلت الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، كما تحولت سوريا إلى ساحة للمواجهة ما بين إيران الشيعية وأذرعها من ناحية والجماعات المسلحة من ناحية.
ودخلت بعد ذلك روسيا وتركيا وإسرائيل على خط الحرب في سوريا، كانت هناك أيضا حرب داخل الحرب في سوريا ما بين إسرائيل وإيران وما بين تركيا والأكراد، علما بأن سلطات أنقرة ظلت تحارب مقاتلي حزب العمال الكردستاني منذ فترة الثمانينيات من القرن الماضي.
العراق
الحرب بالوكالة بين واشنطن وطهران، التي تعتبر كابوسًا للحكومة العراقية، تزداد يومًا تلو الآخر مع الهجمات الأمريكية على مليشيا موالية لإيران في العراق والعكس من ضربات الميليشيات، وتستمر الدول في التفتيت والانهيار من لبنان أيضًا والعديد من المناطق التي تشهد صراعات القوى العظمى، حتى يفيق الشعوب ويحافظون على بلدانهم.