'مر يومان على استشهاده ولم أنام، أحضن العلم الذي كان ملفوفا به لأشم رائحة ابني التي تفوح منه، فأنا أم البطل'.. بتلك الكلمات بدأت 'نجلاء مستجير' والدة الشهيد محمود رضا مندور الذي استشهد في بئر العبد يوم 8 فبراير الجاري، حديثها لـ'أهل مصر'، بصوت ممزوج بالدموع على فراق نجلها الشهيد.
الحلم الذي تحول إلى حقيقة مرة
تحكي أم الشهيد، أن زوجها المتوفى زارها في المنام قبل صلاة الفجر، قبل استشهاد نجلها محمود بثلاثة أيام وأعطته وردة جميلة أخذها منها وهو حزين، وبعدها حلمت بأن منزلها أُغلق عليها ولم تستطع أن تفتحه وكان مفتاحه عند صديقة لها ببورفؤاد ولم تستطع الذهاب إليها، وفجأة نظرت فوجدت منزلها يحترق، واستطرت: 'أدركت الآن معنى أحلامي، إنها فقدان ابني حبيبي الله يرحمه'.
الشهيد محمود مندور مع والدته
وتروي والدة الشهيد ودموعها تنزف من قلبها، أنها كانت تعمل بأحد المصانع بالاستثمار قبل زواجها وتزوجت وكان زوجها أرزقي فظلت في عملها لتساعده وأنجبت ثلاثة أبناء: بلال ومحمود وأميرة، ولكن تبدل الحال وداهم المرض صحة زوجها وأصيب بسرطان في المعدة وظل يعاني 7 سنوات قبل وفاته.
وأكملت، كان هو مريض بالمنزل ويراعي الأبناء وأنا أحاول أن أوفر جميع متطلبات زوجي وأولادي والأدوية التي كان يتناولها، وأصبحت اعمل بنظام تطبيق الوردية بالمصنع ليزداد دخلنا ونستطيع مواجهة الظروف التي ضاقت علينا، ولكن توفي زوجي شهيدا 'مبطون' وترك لي ثلاثة أطفال لم يدركوا معنى الحياة بعد.
الشهيد محمود مندور
وأضافت، كان زوجي يدعوا لي دعوة فتحت أمامي الطريق فقال لي وهو على فراش الموت: 'ربنا يسترك زي ما سترتيني' ومات زوجي وأكملت المسيرة، وعافرت مع الزمن لتربية أبنائي الثلاثة، تتعثر قدماي وأقف من جديد وأعاود المشي، تمر السنوات وأنا أحتضن أبنائي ولم أشعرهم بأن 'الحمل ثقيل علي' كبر أبنائي وساعدوني فكان بلال الإبن الأكبر يعمل وهو يدرس ومحمود 'الشهيد' يعمل وهو بالصف الأول الثانوي، كل واحد كان له دور كبير، ومرت الأيام وحصل بلال على بكالوريوس تجارة ومحمود معهد حاسب آلي وأميرة بالفرقة الرابعة بكلية التجارة الآن.
وتابعت والدة الشهيد: 'أكثر من 17 عاما بعد وفاة زوجي وأنا أتحمل المسؤولية كاملة أبنائي معي هم سندي وأنا ظهرهم وحمايتهم، بل أسكن بالدور الأخير في تلك العمارة ووالدتي ووالدي يسكنون بالدور الأول وهما كبار في السن، وكان والدي مريضا فكنت أرعى والدي ووالدتي وأولادي، و لم أشعر بأي تعب إلى أن توفي والدي والأن أنا أرعى والدتي وأبنائي وأتمنى من الله أن يعينني ويمنحني الصحة من أجلهم جميعا'.
والدة الشهيد محمود مندور تحتضن العلم بدمائه
واستطردت: 'منذ شهور قليلة التحق محمود بالخدمة العسكرية وبعد 4 أشهر من التحاقه استُشهد وهو يواجه الإرهابيين الذين حرموني من نور عيني'، متابعة: 'تحدث معي محمود قبل وفاته بيوم واحد عبر الهاتف ليطمئن عليّ، وبعد انتهاء المكالمة شعرت بخفقان قلبي وانتابني شعور غريب وكأن روحي سُرقت منّي، ولم أُدرك أنها المرة الأخيرة ولن أعد أسمع صوته مرة أخرى، وأخبرني زميله بأنه قبل أن تفيض روحه قال له: أخبر أمي أنها وحشتني قوي'.
'سرقت منّي الدنيا أعز البشر الذي كان يواسينى ويجلس بجواري ويطلب منّي أن أخبره ما علينا من ديون ويُدوّنها في النوتة الخاصة به ليسددها.. عاش رجل ومات سيد الرجال' تقول الأم المكلومة، متابعة: 'عندما أخبرته أنني أُريد أن أُزوّجه فقال لي لا تُفكّري في هذا الموضوع الآن يا أمي فقبل أن أُفكّر في نفسي لابد وأن أُزوّج أختي أميرة.. لم يبخل بشىء علينا فقد غمرنا بعواطفه وحبه وحنانه، وكأن الله يختار القلوب البيضاء لتعيش في الجنة'.
والدة الشهيد محمود مندور
واختتمت والدة الشهيد حديثها، قائلة: 'لم أنم منذ يومين من وفاته، فأنا أحتضن العَلَم الذي كان ملفوفًا به وبه دمائه وكأنها رائحة مسك وعنبر وأشم رائحته فيه، وأخذت التابوت الذي كان يحمل جثته وطلبت من النجّار أن يحوّله إلى دولاب لأضع جميع محتويات محمود فيه بل سأجعله متحفا وأجلس أمامه ليذكّرني بكل لحظة عشناها مع بعض واحنا بنضحك، واحنا بنتألم، واحنا بنفكر، واحنا بنخطط للمستقبل اللي لم أتوقع أن يكون بدونه، فمن المؤكد أن والده سعيد بقدومه إليه، لكنهما تركوني أُعاني الحرمان منهما.. تركوني ولا أعلم هل سأستطيع أن أُكمل حياتي بدونهما أم لا، أتمنى من الجميع أن يدعون لي بالصبر وأن يُنزله الله برحمته على قلبي ليصبّرنى على فراق ابني البطل'.
والدة الشهيد محمود مندور
والدة الشهيد محمود مندور
والدة الشهيد محمود مندور