منذ حوالي 12 عامًا بدأت أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا والسودان، تتفاقم الأزمة وتهدأ، مصر كانت تطالب بحقوقها المائية وتتمسك بضبط النفس ومراعاة حقوق الشعب الإثيوبي في التنمية خلال تلك الفترة، بينما كان ذلك يقابله مماطلة من أديس أبابا في التوصل إلى إطار قانوني ملزم لملء وتشغيل سد النهضة، وخلال الأيام القليلة الماضية أصدرت الرئاسة المصرية بيان مشترك بين البلدين، على هامش قمة الجوار إن الجانبين اتفقا على بذل جميع الجهود الضرورية للانتهاء من المفاوضات خلال أربعة أشهر.
وللوقوف على الأمر من بدايته وحتى هذه اللحظة، أجرت 'أهل مصر'، حوار مع الدكتور عباس شراقي خبير الموارد المائية وكان نصه كالتالي:
- كيف ترد على من يرى أن وزارتي الري والخارجية أخفقتا في الوصول لحل وسط بين مصر وأثيوبيا؟
الجزم بأن وزارتي الخارجية والري أخفقتا في الوصول لحل وسط حديث سابق لأوانه حاليًا، ومن المؤكد أن مصر استمرت في المفاوضات لمدة 12عامًا، واتخذنا كافة الإجراءات، وكل الطرق، واتبعنا الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن، وتناقشنا مع كافة المؤسسات الدولية، ومع كل القيادات، ونحن الآن في آخر مرحلة، حيث كان هناك من عدة أسابيع زيارة آبي أحمد على هامش قمة دول الجوار، وتم الاتفاق على استئناف المفاوضات، والوصول إلى اتفاق خلال أربعة أشهر، مر منهم نحو أسبوعين، فمن الصعب أن نجزم بأنهم هناك فشل أو إخفاق، ولكن من الممكن بعد شهر أو اثنين ما تم في المفاوضات.
ـ برأيك كيف تقيّم تصرفات آبي أحمد في ملف سد النهضة؟
أبي آحمد بالنسبة لموضوع سد النهضة وتصريحه هنا في القاهرة أو البيان الذي أصدره بعد ما عاود لأديس أبابا، هو بيان يبدو أنها تصريحات ناعمة دبلوماسية، لكن في مجملها غير حقيقية، وغير مطابقة للواقع، لأنه كان حريص في تصريحاته على قول كلام طيب مثل أن أثيوبيا دولة ملائكية ولن تضر مصر أو السودان، وهو كلام إنشائي فقط وغير واقعي، لأنه رفع سد النهضة من نهاية التخزين الثالث العام الماضي بمقدار 25 مترًا، ورفع كل متر يقابله تقريبًا تخزين مليار متر مكعب، ومعنى ذلك أنه يرفع بالخرسانة فيبقى التخزين إجباري، لأنه ليس فيه اختيار، لأنه لا يوجد البوابات التي تمرر المياه، موضحًا: لو هو عايز ميضرش مصر والسودان كان اتفق معاهم مثلا على تعلية 10 أمتار وهذا معناه تخزين 10 مليارات هو بالـتأكيد ضرها، فتصريحاته بالكامل مضللة، السد كان فيه فتحة واحدة فقط بتمرر كمية مياه للسودان لإرضائهم، وهذه الكمية قليلة حوالي 30 مليون متر مكعب في اليوم، فتلك المياه سيعوضها لو قفلها هيملى أسرع، فهو فتح الفتحة الثانية وذلك معناه أنه سيمرر 60 مليون متر مكعب في اليوم موضحًا: الـ30 مليون الجديدة هتعطله 4 أيام في الموسم فهو هيروج أنه هيتحمل علشانا.
- ما تقييمك للموقف السوداني إزاء أزمة سد النهضة وهل كان محايدا أكثر مما يجب؟
الموقف السوداني متغير مع الوقت، ففي بداية أزمة سد النهضة كان مؤيد، وكان فيه مكايدة سياسية بين نظام البشير والرئيس مبارك، لأنهم قالوا أنه فيه فوائد للسودان، والبشير ذهب لأثيوبيا واحتفل معاهم بوضع حجر الأساس، بعد ذلك أصبح موقف السودان كأنه وسيط وليس طرف في الموضوع، وبيوفق بين مصر وأثيوبيا، في الفترة الأخيرة بعد حدوث فيضانات، وفي أحد السدود انهارت أصبح هناك قلق للجانب السوداني ومن هنا بدأ يتغير الموقف أصبح إلى حد كبير يتطابق مع الجانب المصري.
ـ إلى أي مدى يمكن أن تؤثر الاضطرابات الحالية في السودان على تطورات ملف سد النهضة؟
مايحدث في السودان حاليًا يؤكد على توقف المفاوضات، وهي متوقفة بالفعل من أكثر من 3 سنوات ونصف، لكن أحداث السودان تؤكد على التوقف، إلا أن زيارة آبي أحمد الأخيرة في مصر والاتفاق على استئناف المفاوضات من الممكن أن يحرك المياه الراكدة، لكن الوضع السوداني يزيد الأمر أكثر تعقيدًا، ويجعل لإثيوبيا ذريعة وحجة لعدم استئناف المفاوضات بشأن الوضع في السودان.
ـ كيف ترى الأضرار التي يمكن أن تلحق بمصر بعد الملء الرابع؟ وآليات تخفيف حدتها؟
الأضرار متعددة، ولكن تأثيرها على المواطن غير مباشرة وملموسة وذلك بفضل السد العالي، لأن مصر هتعوض الكمية اللي هتُخزن في إثيوبيا إذا كانت 25 مليار أو أقل كلها هتعوض من مخزون السد العالي، وبالتالي الخسارة المباشرة أن مخزون السد هيقل بمقدار الكمية المخزنة في أثيوبيا، والمياه الموجودة بالسد العالي كلفتنا مئات المليارات من الجنيهات موضحًا: 'مش مياه مجانية علشان نقول مضرناش'، ولولا أننا رشدنا استهلاك المياه في الزراعة وتم تقليل الزراعة، واستبدال لبعض المحاصيل مثل قصب السكر بقينا بنزرع بنجر السكر بداله، ومحطات لمعالجة مياه الصرف الزراعي لاستخدامها مرة أخرى مثل محطات بحر البقر والحمام بتكلفة حوالي 100 مليار جنيه، وتبطين الترع بتكلفة 18 مليار جنيه على الأسعار القديمة، وبخلاف الصوب الزراعية التي تمت بتكلفة كبيرة، كل هذا من أجل توفير المياه.
كيف ومتى يصل تأثير سد النهضة للمواطن المصري؟
مفيش مواطن مصري هيعطش، أو مش هيلاقي مياه يشرب، مش هيحصل أبدًا، مفيش أرض حرمت من مياه الري، لكن أثيوبيا شايفة أنه طالما مفيش حد مات يبقى مفيش ضرر، موضحًا' بيقولوا ماهو فيش حد مات ما أنتوا قاعدين بتأكلوا وتشربوا لكن مش شايفين التكاليف الباهظة اللي البلد بتتحملها'.
ـ هل يمكن أن ينهار سد النهضة وما الأضرار التي قد تلحق بمصر والسودان في حالة انهياره؟
شدة الانهيار متوقفة على كمية المياه المخزنة، وأسوأ سيناريو أن يكون السد مملوء حوالي 64 مليار متر مكعب سيكون طوفان على السودان، ويتسبب في فناء ملايين السودانيين، حوالي 20 مليون سوداني، كما أن هناك سدود ستنهار ومخزونها هيغرق السودان، والضرر على مصر بيتوقف على مخزون السد العالي، لو مخزون المياه في السد العالي نصفه سيكون هناك مكان لاستيعاب كل هذه المياه، لكن لو السد العالي ممتلىء هيكون في مشكلة.
ـ هل ترى أن بعض الدول الكبرى والإقليمية لها تدخلات في مسألة سد النهضة؟ ولماذا لا تعمل على إيجاد وسائل لإنهاء الأزمة؟
الدول الكبرى لها مصالح مثل أمريكا وروسيا والدول الأوروبية وبالتالي لن يأخذوا موقف مع طرف ضد طرف، وهذا ظهر في مجلس الأمن، لأن لهم مصالح في منطقة القرن الإفريقي وأثيوبيا دولة مؤثرة في هذه المنطقة، وبالتأكيد لهم مصالح مع مصر، موضحًا: 'مجلس الأمن شال إيده من الموضوع وأعضاء المجلس كلهم من دول منابع ودول مصب '.
هل تواصلت الحكومة الإثيوبية بأي شكل مع مصر بشأن الملء الرابع؟
لم يتم أي تواصل أي أحد من إثيوبيا مع مصر، وجميع قرارتها أحادية، وقرارات تشغيل التوربينات كانت أحادية فقط.
برأيك، ماهو دور السد العالي في حماية المصريين من العطش؟
لولا السد العالي كان هيبقى فيه مصيبة، السنة دي بس كان نص أراضي مصر الزراعية من أسوان للإسكندرية كانت هتقف عن الزراعة، يعني الوادي والدلتا معظم محافظات مصر.
ما مدى واقعية المعلومات التي يروجها الجانب الأثيوبي بشأن الملء الرابع من أنه سيكون تدريجيًا وسيستمر لشهر سبتمبر؟
الجانب الأثيوبي بيروج أنه مش هيضر مصر وأنه هيمد التخزين الرابع لغاية سبتمبر، والناس فاهمة أنه هيأجل التخزين، الأمر لا يوجد به تأجيل، لأن الخرسانة وضعت، وذلك معناه أني بقفل مجرى النهر، أزاي بعد ما أقفل أسيب المياه تعدي، لازم المياه تيجي عند السد وتملأ لحد ما ترتفع أعلى قمة السد.
ما تقييمك لموقف مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي تجاه أزمة سد النهضة؟ وهل بالفعل بذل كل منهما ما يستطيع من جهود؟
الاتحاد الأفريقي للأسف هو منظمة دولية ومصر من مؤسسينه وداعمين له، لكنه منظمة ضعيفة لاحول له ولاقوة، واقتصاديًا لا يملك أموال غير أنه يجمع تبرعات، وله دعم من الاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن.
ما تقييمك للحوار الذي تم على هامش قمة الجوار بشأن أزمة سد النهضة؟
على هامش القمة استخلصنا نقطتين، النقطة الأولى وهي استئناف المفاوضات، والنقطة الثانية أن أثيوبيا بتلتزم بعدم الضرر، مع أنه كلام غير حقيقي، لأن أثيوبيا رفعت الـ 25 متر خرسانة فلازم تخزن 25 مليار متر مكعب، وأقصى مايمكن أن تفعله أن تترك الأنبوبتين مفتوحين، والبيان في ظاهره بيان طيب وليس حل.
في رأيك، هل من الممكن اللجوء للحل العسكري في حالة فشل المفاوضات؟
لا أعتقد أن الحل العسكري، أمر وارد، لكن الأمر يظل بالتفاوض ليس أمامنا غيره، فإذا كان هناك صعوبة في التفاوض فكان هناك صعوبة في التفاوض بين مصر وإسرائيل وفي نهاية الأمر وصلنا لاتفاق، ولكن نتمنى أن نصل لاتفاق مع أثيوبيا خلال أربع شهور، لكن الأمر العسكري سيزيد الأمر صعوبة وسيحدث عداوة كبيرة جدًا.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
