بمجرد بدء مجلس الشيوخ الأمريكي جلسة محاكمة الرئيس، دونالد ترامب، تمهيدا لعزله، والتي يواجه خلالها تهمة إساءة استخدام السلطة، تعرض الرئيس لتهم جديدة تتعلق بارتكاب مخالفات من جانب وكالة داخل إدارته، وذلك في وقت ترى تقارير أن احتمال عزله يبدو مستبعدا؛ نظرا لأن هذا المجلس يهيمن عليه الجمهوريون الموالون لترامب، ولكن، وفي نفس الوقت، فإن تلك المحاكمة تنطوي على مخاطر سياسية بالنسبة له.
وأصدر "مكتب محاسبة الحكومة" نتائج، صباح اليوم الخميس، مفادها أن قرار تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا الذي اتُخذ العام الماضي بتوجيه من ترامب ينتهك القوانين التي تحكم صرف الأموال المخصصة لدولة ما والتي يوافق عليها الكونجرس. واستنتج المكتب أن ترامب انتهك القانون، فيما لم يرد البيت الأبيض على الفور على تلك الادعاءات.
إن مخطط "ترامب" المزعوم للضغط على أوكرانيا لفتح تحقيق بشأن أنشطة منافسه السياسي، جو بايدن، هو في صلب عملية العزل، التي اقتربت من ذروتها اليوم مع بدء محاكمته في مجلس الشيوخ.
ووصلت مجموعة مكونة من سبعة مدراء من مجلس النواب، بقيادة آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات بالمجلس، بعد ظهر اليوم مباشرة، إلى مجلس الشيوخ، وأعلن وصولهم الرقيب على السلاح، بول ايرفينج، (ضابط يُعين من قبل هيئة تشريعية للحفاظ على النظام خلال اجتماعاتها).
وقال، قارئًا من وثيقة تاريخية، "أنصتوا، أنصتوا، يُطلب من جميع الأشخاص التزام الصمت أثناء عرض مجلس النواب على مجلس الشيوخ مواد المساءلة المتعلقة بـ دونالد جون ترامب".
ثم قرأ "شيف" مواد المساءلة- والتي تشمل اتهامين، أولها هو إساءة استخدام السلطة، والثاني عرقلة عمل الكونجرس- أمام أعضاء مجلس الشيوخ، حيث كان كل منهم أو منهن جالسًا على مكتبه أو مكتبها الشخصي.
بعد ذلك، قدم المدراء السبعة الدعوى، ثم أرجأ مجلس الشيوخ جلسته حتى الساعة الثانية بعد الظهر، حيث كان من المقرر أن ينضم كبير قضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة، جون روبرتس، إلى الإجراءات وأن يؤدي اليمين الدستورية لدوره الرئاسي في المحاكمة. والذي بعد ذلك، سيؤدي القسم أمام 100 عضو بمجلس الشيوخ - 53 جمهوريًا و 45 ديمقراطيًا واثنين مستقلين- بصفته مُحلّف.
وسيُطلب من أغلبية ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ إدانة ترامب وإزاحته من منصبه، لكن يبدو أن هذا الاحتمال مستبعد نظرا لأن هذا المجلس يهيمن عليه الجمهوريون الموالون لترامب.
وعلى الرغم من تصريحه الشهر الماضي أنه لا يمكن أن يكون "محلفًا محايدًا" في هذه القضية، إلا أن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ "ميتش ماكونيل" تعهد، مساء أمس الأربعاء، أن كل عضو في مجلس الشيوخ سيقيّم القضية ضد ترامب بحذر. وقال ماكونيل: "سنتعهد بالترفع عن الميول الحزبية وسنعمل على تحقيق العدالة لمؤسساتنا وولاياتنا وأمتنا".
لكن "ماكونيل"، وفقا لـ"الجارديان"، كان قد سيطر عليه انتمائه الحزبي، صباح اليوم الخميس، متعهدا بأن مجلس الشيوخ سيتحقق من "الرغبة الجامحة" في مجلس النواب لعزل الرئيس، مشيرا إلى أنه سيواصل الضغط من أجل محاكمة محدودة النطاق.
وقال ماكونيل: "إنهم يريدون الآن من أعضاء مجلس الشيوخ أن يعيدوا التحقيق، ليس هذا ما ستسير به هذه العملية"، مضيفا "انتهت مهمة مجلس النواب، والآن جاء دور مجلس الشيوخ".
بعد أداء اليمين الدستورية، سيصدر مجلس الشيوخ أمر استدعاء إلى ترامب، يدعوه إلى المحاكمة، على الرغم من أنه ليس من المتوقع أن يحضر الرئيس، ولكنه يرسل ممثلين قانونيين عنه.
بدوره، أصدر البيت الأبيض بيانًا أمس الأربعاء قال فيه إن "الرئيس ترامب لم يفعل شيئًا خاطئًا" و "يتوقع تبرئته بالكامل".
واستنتج مكتب محاسبة الحكومة أن مكتب الإدارة والميزانية في حكومة ترامب انتهك القانون عن طريق حجب المساعدات عن أوكرانيا، ورغم ذلك لم يشكل هذا الانتهاك خطراً قانونياً فورياً على شخص ترامب، ولم يتم اتهامه بارتكاب جريمة.
لكن تلك النتيجة يمكن أن تفرض المزيد من الضغوط على المدافعين الجمهوريين عن ترامب في مجلس الشيوخ، الذين كانوا حتى قبل بدء المحاكمة ينتقدون الصحفيين الذين يسألون عن التدفق المستمر للأدلة المؤذية لترامب. بحسب الجارديان.
تم تحديد موعد المرافعات الافتتاحية خلال المحاكمة في مجلس الشيوخ، التي سيقدمها مدراء المساءلة السبعة للادعاء وممثلو ترامب للدفاع، عندما تبدأ المحاكمة فعليا، الثلاثاء المقبل، بعد عطلة مارتن لوثر كينج (يوم سنوي في أمريكا وأحد الأعياد الفدرالية).
ويتقاسم "شيف" ورئيس اللجنة القضائية جيري نادلر، رئاسة فريق مدراء المساءلة الديمقراطيين. بينما، وبحسب ما ورد، اختار ترامب مستشار البيت الأبيض، بات سيبولوني، لقيادة فريقه.
قام المدراء السبعة بتسليم مواد المساءلة إلى مجلس الشيوخ في موكب احتفالي مساء أمس الأربعاء. وقالت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، قبل التصويت لإحالة المواد: "نحن هنا اليوم لتجاوز عتبة مهمة للغاية في التاريخ الأمريكي".
وسيؤدي العضو الثاني في مجلس الشيوخ، أيوان تشاك جراسلي، اليمين الدستورية أمام "روبرتس"، اليوم الخميس. وسيقوم رئيس المحكمة العليا بعد ذلك بإعلان اليمين أمام أعضاء مجلس الشيوخ: "أقسم رسميًا أنه في كل الأمور التي تتعلق بمحاكمة دونالد ترامب، التي هي الآن قيد الانتظار، سوف أقوم بتحقيق عدالة نزيهة وفقًا للدستور والقوانين: لذا ساعدني يا الله".
وفي خطاب أمام أعضاء مجلس النواب أمس الأربعاء، رفضت "بيلوسي" بشدة انتقادات الجمهوريين بأنها أرجأت إحالة مواد المساءلة لمجلس الشيوخ. وقالت "لا تتحدث معي عن توقيتاتي". وبعد أشهر من مقاومة دعواتها "في جميع أنحاء البلاد" لمقاضاة ترامب، قالت، إن ترامب في نهاية المطاف "لم يعطنا أي خيار. لم يعطنا أي خيار".
وتم البدء في إجراءات عزل ترامب في ديسمبر الماضي، بسبب مخططه للضغط على أوكرانيا لفتح تحقيقات كاذبة بشأن نائب الرئيس السابق "بايدن".
ووفقا للصحيفة البريطانية، فإنه لم يتم إقصاء أي رئيس أمريكي من خلال المساءلة، على الرغم من احتمالية أن يكون الرئيس الأسبق "ريتشارد نيكسون" استقال على خلفية ذلك.
وفي الوقت الذي من المستبعد فيه إقالة ترامب، إلا أن تلك المحاكمة تنطوي على مخاطر سياسية بالنسبة له؛ فقد أعرب مجموعة من الجمهوريين المعتدلين عن انفتاحهم في الأسابيع الأخيرة على الاستماع إلى الشهود ورغبتهم في تقييم التهم الموجهة إلى ترامب على أسس موضوعية. هذه المواقف يمكن أن تذبل بسرعة تحت ضغط شخصي من ترامب، الذي أظهر غضبًا تجاه أي إشارة قد تصدر من أحد أعضاء حزبه تفيد بأن سلوكه كان أقل من الكمال.
لقد استجاب جمهوريو مجلس النواب بقوة لمطالب ترامب بالدفاع عنه، وقدموا تقييمات إيجابية لإجراءاته فيما يتعلق بأوكرانيا، والتي قالوا إنها مدفوعة برغبة ترامب في محاربة الفساد في هذا البلد.
لكن، وبحسب "الجارديان"، فإن هذا الموقف قد يصبح أكثر صعوبة مع استمرار ظهور أدلة جديدة على أخطاء ترامب المزعومة؛ ففي ليلة أول أمس الثلاثاء، أصدر أعضاء مجلس النواب الديمقراطيون أدلة تم جمعها حديثًا بما في ذلك مذكرة مكتوبة بخط اليد من قبل أحد مساعدي ترامب تصف مؤامرة شارك فيها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وبايدن.
وقال ذلك المساعد، وهو ليف بارناس، لفضائية "MSNBC" الأمريكية: إن "ترامب "يعرف بالضبط ما كان يجري" بشأن مخطط للضغط على المسؤولين الأوكرانيين للتحقيق مع بايدن".