"الفقر في الوطن غربة"، عبارة كانت الأكثر ترديداً علي ألسنة أهالي القرى الثلاث المشهورة بالهجرة غير الشرعية في محافظة الغربية، حيث سجلت قرى ميت بدر حلاوة، وميت حبيب، وأبو صير، التابعين لمركز سمنود، أعلى نسبة من المهاجرين غير الشرعيين للخارج وخاصة فرنسا وإيطاليا، فأصبح فقراء الأمس أغنياء اليوم ومعدومي الدخل أصحاب فيلات ومنازل فخمة على الطراز الأوروبي، فتحولت تلك القرى الريفية البسيطة إلى قطعة من باريس، حيث تسابق شبابها على بناء قصور وفيلات على الطراز الباريسي والإيطالى، وفتح مشروعات كبرى داخل القرية.
وإضافة إلى ما سبق فقد انتشرت المولات ومحلات الملابس الفخمة إلى جانب المقاهي التي تقدم المشروبات الفرنسية وخاصة القهوة، التى تُجلب خصيصًا لميت بدر وميت حبيب، لتزهو قرى الفلاحين وتنافس مثيلاتها من المدن وليست القرى، فمعظم الشباب يسافر إلى الخارج يجمع الأموال ويأتي في إجازة خلال العام ويعامل خلالها معاملة السائح، حتى أن أطفال القرية تبدلت ملامحها الشرقية، لتطغى الجينات الأوروبية وتظهر اللغة الفرنسية على ألسنتهم أثناء اللهو، وخاصة أن 90 ٪ من شباب القرى الثلاث متزوجون من دول أوروبا.
الشيخ محمد العريبي، أحد أبناء قرية ميت بدر، يقول إن الهجرة غير الشرعية بدأت داخل قريتهم في بداية السبعينات حيث هاجر عدد قليل من الرجال إلى فرنسا ومن ثمّ ظهرت الكارثة، حيث عادوا في أول إجازة لهم يحملون الهدايا والأموال، وهو الأمر الذى لعب بعقول الكثير من الشباب حتى أنهم كان يجلسون على المقاهى ويتفاخرون بالنهضة الأوروبية وحاول عدد من الشباب التقرب لهم للسفر، وبالفعل تم تسفير الشباب للخارج إما بعقود أو بزيارة أو غيره، وأصبح حلم الشاب بعد الإعدادية السفر للخارج، وخاصة من لم يتجاوزوا الـ 18عامًا، ومن هنا ظهرت الهجرة غير الشرعية.
وأضاف العريبي، أن حلم الثراء السريع دفع 90٪ من شباب القرية والقرى المجاورة إلى ركوب قوارب الموت، طمعًا فى ثراء لا يكلفهم سوى 30 ألف جنيه على الأكثر، في رحلة الهجرة غير الشرعية، والتى دافعها الأول الثراء ثم الغيرة، ممن سبقوهم وعادوا محملين بالأموال، ولديهم كل ما يتمنون، ليكون الثمن فى الكثير من الأحيان إما أرواحهم، أو الغربة لـ 10 سنوات مدة الحصول على أوراق سليمة وإقامة، لا يرى خلالها أسرته وذويه.
ويُوضح مسعد موسى، أحد المهاجرين غير الشرعيين، أن الهجرة غير الشرعية أنواع، إما عن طريق كسر الفيزا، وإما عبر البحر، وإما عن طريق «الشبه» وهو أن يقوم أحدهم باستخدام جواز سفر لشخص شبيه له، كفيلم الفنان أحمد السقا، حيث يدخل جواز السفر بدوامة يسافر به أكثر من 10 أشخاص.
ويُضيف موسى، أن أسعار كل طريقة مختلفة عن غيرها، فأولًا كسر الفيزا كان قديمًا منذ أن سافر في الثمانينات، ولا يلجأ له الآن إلا قلة، بينما تعتمد الغالبية العظمى على الهجرة عبر المراكب وأسعارها 45 ألف جنيه تقريبًا، أما النوع الثالث أسعارها على حسب ما يتفق عليه الطرفان.
وأوضح، أن تكلفة الهجرة غير الشرعية لا تسدد دفعة واحدة، وقد يسددها المهاجر على فترات من عمله في الدولة المهاجر إليها، وعادة ما يدفع 5 آلاف جنيه كعربون للوسيط وهو أحد أطراف السمسرة، فهم مافيا أولهم «المندوب» وهو عين السمسار الكبير ويجمع له الأطفال والشباب من القرى المجاورة والتي يعيش فيها، و«الوسيط» هو الشخص الكائن بمنطقة الوسط بين المندوب والسمسار الكبير، ووظيفته تنسيقية ويعمل أيضًا على جمع الشباب، والطرف الثالث وهو «السمسار»، الذي يدير الأمر برمته، من تجهيز القوارب، والتخطيط للعملية كلها منذ جمع الشباب حتى وصولهم إلى دول الغرب.
أما مؤمن حماد، أحد المهاجرين غير الشرعيين، فيقول: «حاولت مرارًا وتكرارًا السفر عبر المراكب إلا أنني فشلت، وتم ضبطنا داخل المياه الإقليمية وهنا تأكدت أن مستقبلي ضائع لا محالة، وتمنيت الغرق مع من غرقوا، فأنا أحد ركاب مركب رشيد والذي غرق في عام 2016، وراح ضحيه أكثر من 600 مصري، إلا أنني نجوت مع من أنقذتهم خفر السواحل، والدفعة الأولي للوسيط كانت جمعية دخلت بها والدتي من معاش أبي الذي لم يتخطى 300 جنيه وأعطتها لي بالكامل كي أسافر وأعود إليها وأعوضها عن سنوات الفقر وابني لها منزلًا على الطراز الأوروبي كما فعل شباب القرية المسافرين إلا أني عدت إليها خالي الوفاض لا أحمل في يدي سوي الحقيبة التي سافرت بها، وعدت إليها بملابسى التى خرجت بها».