يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال : قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ . فمن هم المخاطبون بهذه الرسالة في القرآن الكريم ؟ وكيف فسرها جمهور الفقهاء ؟ وما هى سنة الأولين ؟ يقول الطبري في تفسي هذه الآية : أي: يا مُحمَّدُ قُل للذين كفروا من كفار ومشركي قومك قُريشٍ: إنْ يَترُكوا الكُفرَ، وينتهوا عما هم عليه مقيمون من قِتالَ المؤمنينَ، فينيبوا إلى الإيمان؛ يَغفِرِ اللهُ لهم ما قد تقدَّمَ ومضى مِن كُفرِهم وذنوبهم ومَعاصيهم قبل إيمانهم وإنابتهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله. فإن عادوا، أي هؤلاء المشركون، لقتالك بعد موقعة يوم بدر، فقد مضت سنتي في الأولين منهم ببدر ومن غيرهم من القرون الخالية، إذ طغوا وكذبوا رسلي ولم يقبلوا نصحهم، من إحلال عاجل النِّقم بهم، فأحل بهؤلاء، إن عادوا لحربك وقتالك، مثل الذي أحللت بهم
وفي تفسير فتح البيان: قل للذين كفروا: كأبي سفيان وأصحابه، واللام للتبليغ أن ينتهوا عما هم عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتاله بالدخول في الإسلام (يغفر لهم ما قد سلف) لهم من العداوة. وقيل معناه إن ينتهوا عن الكفر. قال ابن عطية: الحامل على ذلك جواب الشرط بيغفر لهم ما قد سلف ومغفرة ما قد سلف لا يكون إلا لمنته عن الكفر وفي هذه الآية دليل على أن الإسلام يجب ما قبله .
أما في تفسير المنار فجاء فيه : لما بين الله حال الكفار الذين يصرون على كفرهم وصدهم عن سبيل الله وقتال رسول الله والمؤمنين، وما لهم في الدُّنيا والآخرةِ، قفَّى عليه ببيانِ حكم الذين يرجعون عنه ويدخلون في الإسلام، لأنَّ الأنفُسَ صارت تتشَوَّفُ إلى هذا البَيانِ، وتتساءل عنه بلسان الحال أو المقال. (قل للذين كفروا إن ينتهوا): أي قل أيها الرسول لهؤلاء الكفار ولأجلهم إن ينتهوا عما هم عليه من عداوتك وعنادك بالصد عن سبيل الله والقتال لأوليائك المؤمنين بالدخول في الإسلام، يغفر منهم ذلك ومن غيره من الذنوب التي ارتكبوها في حق الله وحق رسوله والمؤمنين. (وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين). أي تجري عليهم سنته المطردة في أمثالهم من الأولين الذين عادوا الرسل وقاتلوهم. وقال مجاهد: 'قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك.
اقرأ ايضا .. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ .. هل هناك وقت لا تنفع فيه التوبةأما سنة الأولين فقد جاء في زاد المسير في علم التفسير : قوله تعالى {إِلا أن تأتيَهم سُنَّةُ الأوَّلِين} وهو: أنهم إِذا لم يؤمنوا عذِّبوا. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال. أحدها: ما منعهم من الإيمان إِلا طلب أن تأتيهم سُنَّة الأولين، قاله الزجاج. والثاني: وما منع الشيطانُ الناس أن يؤمنوا إِلا لأَن تأتيهم سُنَّة الأولين، أي: منعهم رُشْدَهُم لكي يقع العذاب بهم، ذكره ابن الأنباري. والثالث: ما منعهم إِلا أنِّي قد قدَّرت عليهم العذاب. وهذه الآية فيمن قُتل ببدر وأُحُد من المشركين،