يقول المولى سبحانه وتعالى في سورة الواقعة 'فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ. تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ'، في هذه الآية الكريمة يتحدى المولى سبحانه وتعالى من يكفر به في أن الروح ترجع مرة أخرى إلى شخص حانت لحظة وفاته، وهو تحد مستمر إلى يوم القيامة ولم يستطع الطب الحديث مهما تقدم أو علوم الطاقة التي تزعم قدرتها على توليد القدرة على الحركة عن طريق العلم أن ترجع روحا خرجت إلى جسد رجل وافته لحظات المنية.
وفي تفسير هذه الآية قال ابن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه الروح: 'فلولا ترجعونها أي تردون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مربوبين مملوكين، إن كنتم صادقين، وهنا الثاني شرط للأول، والمعنى إن كنتم صادقين في قولكم فهلا تردونها إن كنتم غير مدينين'، هنا فسرها بمربوبين، وفي الموضع الأول قال: 'مجزيون محاسبون ثم ربطه بـ المربوبين'.
وقال ابن القيم -رحمه الله- أيضًا: 'أي هلا تردون الروح إلى مكانها إن كنتم غير مربوبين ولا مقهورين ولا مجزيين'، فالآن صرح بالمعنيين، هذا من أحسن ما يكون، وعامة من يتكلم في التفسير يقول: القول الأول والقول الثاني، ومن يكتب في التفسير يأتي باختلاف التنوع الواضح الصريح ويقول: القول الأول والثاني والثالث وهكذا.
يضيف ابن القيم أن وجه الاستدلال أنهم إذا أنكروا البعث والجزاء فقد كفروا بربهم، وأنكروا قدرته وربوبيته، وحكمته، فإما أن يقروا بأن لهم ربًا قاهرًا متصرفًا فيهم يميتهم إذا شاء، ويحييهم إذا شاء، ويأمرهم وينهاهم، ويثيب محسنهم ويعاقب مسيئهم، وإما أن لا يقروا بربٍّ هذا شأنه، فإن أقروا آمنوا بالبعث والنشور والدين الأمري والجزائي، وإن أنكروه وكفروا به، فقد زعموا أنهم غير مربوبين ولا محكوم عليه، ولا لهم رب يتصرف فيهم كما أراد، فهلا يقدرون على دفع الموت عنهم إذا جاءهم، وعلى رد الروح إلى مستقرها إذا بلغت الحلقوم، وهذا خطاب للحاضرين وهم عند المحتضر وهم يعاينون موته، أي فهلا يردون الروح إلى مكانها إن كان لهم قدرة وتصرف، ولستم بمربوبين ولا مقهورين لقاهر قادر يمضي عليكم أحكامه، وينفذ فيكم أوامره وهذه غاية التعجيز لهم'