يزعم بعض المتطرفين أن الإسلام يمنع بناء الكنائس في بلاد الإسلام . ويدعي بعض المتطرفين أن هناك مدارس فقهية وفقهاء يرفضون بناء الكنائس في بلاد الإسلام. فهل يمنع الإسلام بناء الكنائس؟ وهل توجد أي قيود شرعية حول بناء الكنائس في بلدان المسلمين ؟ وما هو رأى دار الإفتاء في ذلك ؟ حول هذه الأسئلة يقول الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الديار المصرية، إنه يجوز شرعا بناء الكنائس في مصر، وفقا للقوانين المصرية المنظمة لذلك. وأشار فضيلته إلى أن الإسلام دين التعايش، ومبادئه تدعو إلى السلام، وتقر التعددية، وتأبى العنف؛ ولذلك أمر بإظهار البر والرحمة والقسط في التعامل مع المخالفين في العقيدة؛ وذلك مصداقا لقول الله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾ [الممتحنة: 8]، ولم يجبر أحدا على الدخول فيه، بل ترك الناس على أديانهم، وسمح لهم بممارسة طقوسهم؛ حتى أقر النبي صلى الله عليه واله وسلم وفد نصارى نجران على الصلاة في مسجده الشريف؛ كما رواه ابن إسحاق في "السيرة" وصححه ابن القيم في "أحكام أهل الذمة"، بل ورد النص القراني بالمحافظة على دور عبادة أهل الكتاب، وضمن لهم سلامتها، وحرم الاعتداء بكافة أشكاله عليها، وجعل جهاد المسلمين في سبيل الله سببا في حفظها من الهدم وضمانا لسلامة العابدين فيها؛ فقال تعالى: ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا﴾.
وأشار فضيلته إلى إقرار الإسلام لأهل الكتاب على أديانهم وممارسة شعائرهم يقتضي إعادتها إذا انهدمت، والسماح ببنائها، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين عبر تاريخهم وحضارتهم منذ العصور الأولى . واستشهد فضيلته بما ذكره أبو عمر الكندي في كتاب "الولاة والقضاة": "أن موسى بن عيسى والي مصر في عهد الخليفة هارون الرشيد أذن للنصارى في بنيان الكنائس التي هدمت، فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة -وهما أعلم أهل مصر في زمنهما-، وقالا: "هو من عمارة البلاد، وأما حول ما قاله جماعة من الفقهاء بمنع إحداث الكنائس في بلاد المسلمين فقد قال فضيلته إن هذه الأقوال هي أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ حيث تعرضت الدول الإسلامية للحملات الصليبية التي اتخذت طابعا دينيا يغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة انذاك، مما دعا فقهاء المسلمين إلى تبني الأقوال التي تساعد على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام من جهة، ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى. ولا يخفى أن تغير الواقع يقتضي تغير الفتوى المبنية عليه.