ما بعد أوكرانيا.. حروب الحدائق الخلفية بين الصين وتايوان

خبير علاقات دولية: الأوضاع مهيأة تماما لصالح الصين للسيطرة على تايوان

الصين
الصين

على صدى الصراع الروسي الأوكراني، يتوقع العديد من المحللين السياسيين نشوب نزاعات دولية في دول عدة، هذه الصراعات عبارة عن نزاعات خامدة تنتظر الحركة لتنشيط من جديد. وهو ما يعرف بحروب الحدائق الخلفية، أي هيمنة الدول الكبرى على جيرانها المدعوين غالبا من قوى معادية. ولعل أكثر هذه الحروب فتكًا ما قد تنشب بين الصين وتايوان. خاصة بعد ما حاولت الصين خرق المجال الجوي التايواني بإرسال 9 طائرات مقاتلة في جنوب غرب البلاد. الأمر الذي اعتادت الصين على فعله، لم يمر بهدوء هذه المرة؛ حيث خرجت حاملة طائرات أمريكية كرد فورى على تصرفات الصين تجاه تايوان؛ لإثبات الوجود العسكري الأمريكي وعدم غفلته عن الأمر.

بداية النزاع

تقع تايوان كجزيرة في المحيط الهادي على مساحة 37 ألف كم، وبعدد سكان حوالي 24 مليون نسمة، وترى الصين تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضيها، بينما ترفض تايوان ذلك وتعتبر نفسها دولة مستقل ذات سيادة. البداية كانت في أواخر الحرب العالمية الثانية، وقتما نشبت الحرب الأهلية الصينية عام 1946، بين أبرز حزبين سياسين في البلاد (الشيوعيين، القوميين أو الكومينتانغ)، الحرب التي استمرت ثلاث سنوات حتى عام 1949، انتهت بهزيمة القوميين على يد الزعيم الشيوعي 'ماو' الذي أعلن قيام جمهورية الصين الشعبية وعاصمتها بكين، في حين انتقل القوميون بزعامة تشانغ كاي تشيك إلى تايوان، واتخذوا من تايبيه عاصمة لدولتهم الجديدة 'جمهورية الصين الوطنية' أو تايوان، معلنين استقلالها عن جمهورية الصين الشعبية.

من ذلك الحين وادعى كل طرف تمثيله للصينيين حول العالم، ما أدى إلى انقسام دول العالم إلى حزبين، حسب رؤية وسياسات كل دولة. الطرف الأول يضم الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت دعمها لتايوان كجزء من التنافس الأمريكي الصيني، وأيدها في ذلك الدول الناتو. فمنحت الولايات المتحدة مقعدا لتايوان في الأمم المتحدة وأنشأت قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها.

الثاني يضم دول الاتحاد السوفيتي السابق، والذي اعترف بالصين كممثل شرعي عن الصينيين في العالم. واستمر الوضح حتى عام 1971عندما طلبت الصين بشكل مباشر من الولايات المتحدة إلغاء الاعتراف الغربي بتايوان، وتبني سياسة الصين والواحدة، وهو ما حدث بالفعل، واستُبدل مقعد تايوان في الأمم المتحدة بآخر للصين. وقللت أمريكا من تواجدها العسكري في تايوان. الأمر لم يعجب الكونغرس، فأقر قانون العلاقة مع تايوان عام 1979، وطالب فيه بالوفاء بالعود الأمريكية لدعم وحماية تايوان ضد الصين حتى لو بالتدخل العسكري.

أهمية تايوان

بالنسبة الولايات المتحدة، فتايوان تمتلك موقعا استراتيجيا لفرض السيطرة الأمريكية على شرق آسيا. بالإضافة إلى موقعها المتميز ومضيق تيران الذي تمر من خلال نسبة كبيرة من تجارة العالم. الأمر يختلف بالنسبة للصين، التي ترى أن تايوان جزءا من أراضيها، بالإضافة إلى أهميتها الاستراتيجية والتجارية.

في هذا الصدد يوضح الدكتور أيمن سمير، خبير العلاقات الدولية، أن الدليل المبدئي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي للرئيس بايدن مارس 2021، يرى أن أكبر خطر على الولايات المتحدة الأمريكية يأتي من الصين وروسيا، مع تفاوت درجات الخطر بين الدولتين، حيث ذُكرت الصين في 17 موضع خطر، بينما ذُكرت روسيا في 6 مرات.

وبالتالي الرد الأمريكي على الصين في حالة ضم تايوان سيتضاعف عدة مرات، مقارنة برد أمريكا على روسيا لدخولها أوكرانيا. موضحا أن هذا يرجع لنظرية ' الأناكوندا' الأمريكية، لخنق العدو دون قتله، وترى أن تايوان جزء من السيطرة الأمريكية على الصين. واستعادة الصين لتايوان يُعد هدمًا للنظرية.

وتابع خبير العلاقات الدولية، أن مجرد دخول روسيا أوكرانيا، قد يشجع الصين للسيطرة على تايوان. والظروف الآن مهيأة بنسبة 100% لصالح الصين. مضيفا أن الصين لديها سياسة الصين الواحدة التي تضم الصين وتايوان وهونغ كونغ. وتنظر الصين للحكومة في تايوان على أنها متمردة وموالية للغرب. كنفس السيناريو الذي يحدث في أوكرانيا.

وفي وقت سابق هدد وزير الدفاع الصيني بأن 'الجيش سيتحرك مهما كان الثمن لإحباط المحاولات لفصل جزيرة تايوان'. ويرى 'سمير' أن الصين إذا فكرت في الضم تستطيع دخول تايبيه في أيام قليلة، لكن الصين تريد حل الأمور بالطرق الدبلوماسية، حتى لا تقع تحت طائلة العقوبات الدولية كما يحدث لروسيا. وإرسال الطائرات المقالة الصينية لخرق أجواء تايوان لأنها تريد فقط إرسال رسائل سياسية وعسكرية للحكومة في تايوان وداعميها.

وأكد خبير العلاقات الدولية، أن الوضع مهيأ للصين لدخول تايوان، عن الوضع بالنسبة لروسيا وأوكرانيا. وذلك يرجع لعدة أسباب، أولها اعتراف معظم دول العالم بنظرية الصين الواحدة بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، في حين غياب الصفة القانونية والتشريعية الدبلوماسية لتمثل تايوان أمام المجتمع الدولي، فهي لا تمتلك سفارات في دول العالم. ثانيا، من الناحية الميدانية والعسكرية؛ لأن أقرب وجود عسكري أمريكي داعم لتايوان يأتي من اليابان حيث يوجد حوالي 36 ألف جندي أمريكي، وكوريا الجنوبية التي يوجد بها ما يقرب من 28500 جندي أمريكي، وهي مسافات بعيدة جدا. على عكس أوكرانيا التي يحدها حلف الناتو من الغرب والشمال ودول البلطيق.

تحديات قد تواجه الصين

واستكمل خبير العلاقات الدولية، عن التحديات التي قد تواجه الصين بعد ضم تايوان. أن الولايات المتحدة صرحت بالدفاع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم صيني. وهو ما يؤكد والتقارير القائلة بأن الحروب الكبرى ستندلع إذا ما حاولت الصين السيطرة على تايوان. والحديث هنا عن 'فخ ثوسيديدس' ، الذي يقول أن كل قوى صاعدة كالصين لكي تصبح مهيمنة على العالم لابد أن تخوض حربًا. هذه الحرب يتوقع أن تكون تايوان فتيلها.

التحدي الآخر الذي قد يواجه الصين، يتعلق بمدى ترحيب الداخل التايواني بالانضمام للصين. لكن إذا ما قورن الوضح بما يحدث في أوكرانيا من انضمام الأوكران للروس، فالأمر بالنسبة للصين أيسر بكثير؛ نظرًا لارتباط التاريخي والفكري بين الشعبين.

WhatsApp
Telegram